Site icon IMLebanon

فرنسا.. وطموحاتها الشرق أوسطية

 

بعد الدور الذي لعبته فرنسا من خلال جهودها المبذولة لعقد المؤتمرات الإقتصادية والأمنية المتعلقة بلبنان، تظهر «الأم الحنون»، بعد أن استقطبت إلى توجهاتها اللبنانية عددا كبيرا من الدول والمؤسسات الإقتصادية التي اجتمعت قبل أيام في باريس وقررت ضخ ما يزيد على عشرة مليارات دولار مساهمة منها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد هذا البلد المترنّح أمام جملة من الأوضاع السلبية وفي طليعتها، حالة الفساد السائدة والطاغية في مواقع جني وجباية الأموال كائنا ما كان موقعها ومصدرها واستهدافاتها، علما بأن أوضاع المنطقة المتدهورة والتي يكاد لهيبها أن يطاول مواقع الحياة والتنفس والاستمرار والتي افرزت إلى لبنان مئات الألوف من النازحين السوريين الذين زادوا على الطّين اللبناني بللاً وخللاً وأعباء إقتصادية وأمنية تكاد أن تطمس الكثير من معالم الحياة فيه، وهكذا استعادت فرنسا في عهد رئيسها الشاب ماكرون جزءا من أثرها الفاعل الذي سبق أن كان لها في هذا البلد وهذه المنطقة، ونقف بالتالي أمام مواقع الإستطلاع على مزيد من الطموحات الفرنسية التي باتت مطروحة للرأي العام الدولي، حيث اتجهت فرنسا إلى اعتماد سياسة داعمة ومدافعة عن أكراد هذه المنطقة، ومناطحةً لتركيا في ما تعلق بحربها على عفرين وملحقاتها المستهدفة للأراضي الملاصقة لحدودها مع سوريا، وقد أثار هذا التصرف الفرنسي جملة من الاستفسارات والاستنتاجات بأن الطموح الفرنسي بهذا الاتجاه يستدرجنا إلى جملة من الاستفسارات والاستنتاجات المؤدية إلى أنه يتجه إلى مزيد من ترسيخ وجود فرنسا في المنطقة، واستعادة بعض من أدوارها القديمة فيها، يشجعها على ذلك، إستعار الطموحات الأخرى متمثلة خاصة بكل من روسيا وإيران وتركيا فضلا عن إسرائيل، ولعل الإتجاه الأميركي – الفرنسي الذي أعلن عنه تكرارا بأن البلدين المذكورين سيوجهان ردا عقابيا للنظام السوري (قد يشاركهما فيه دول أخرى لعل السعودية تكون إحداها) على استعماله الغازات السامة بشكل ثابت وأكيد وغير مسبوق بفداحته وحجمه، وقد تزعمت فرنسا دعوة لمجلس الأمن، للتدارس في الشأن السوري المتجه إلى تعميق لجوئه إلى استعمال السلاح الكيماوي كما كان الوضع في إطلاقه في الغوطة حيث أوقع عددا غير مسبوق من الشهداء وفي طليعتهم عشرات من الأطفال، الأمر الذي أثار حفيظة وإدانة  الرأي العام الدولي بأسره، مما يشكل اقتحاما فرنسيا جديدا لباب جديد من أبواب إظهار الاهتمام باستعادتها المتجددة في المنطقة بعض من سابق عهدها معها، وكالعادة عطّل الفيتو الروسي تكرارا اتخاذ قرار إيجابي بهذا الخصوص، كما عطلت الأغلبية العددية في المجلس، مشروع القرار الروسي الذي أظهر مجددا أن همّه محصور في إنقاذ نظام الأسد.

مع كل هذه المستجدات، تبرز للملأ جملة من الملاحظات:

– إن التصرف المشترك والمتوافق عليه لا زال يطرح جملة من علامات الاستفهام المشككة، خاصة وأن الولايات المتحدة التي هاجم رئيسها ترامب سلفه أوباما لأنه لم يقم بواجبه في ردع النظام السوري نتيجة لاستعماله للسلاح الكيماوي، فإذا بنا وقد جاء عهد ترامب لا نلحظ حتى الآن إلاّ تغيّرا كلاميا في الموقف الأميركي، اللهم إلاّ من خلال رد محدود على أحد المواقع السورية بعد أن أبلغ ترامب بوتين قراره بضرب الموقع المذكور، وقد حصل ذلك بعد أن عمدت القوات الروسية إلى سحب قواها وجنودها المتواجدين في الموقع، ومعهم من تيسّر من جنود النظام السوري ومعداته وطائراته، الأمر الذي يدفع بنا إلى توقع ضربة أميركية – فرنسية مقبلة، وإن كانت آثارها ستقتصر «على الأرجح» على نتائج رمزية قد تزيد حجما عن الضربة الأميركية السابقة، كما قد يكون أثرها أكثر إيلاما.

– إن مسارعة روسيا إلى اتخاذ المواقف المؤيدة والمدافعة عن النظام السوري، توجه الضوء للدور الروسي السائد في سوريا منذ زيارة الأسد الشهيرة إلى موسكو وتسليمه لمواقع القيادة الأساسية إليها، وهو دور السيّد والقائد والمسيطر وصاحب القرار الأول، ولما كان من الصعب التخيّل بأن الولايات المتحدة وفرنسا ستتعرضان للفاعل الحقيقي تحسّبا من انقلاب النزاع إلى حرب طاحنة بين القوى العظمى في العالم وإلى تطورّها إلى حرب ذرية لا تبقي ولا تذر، فإن التصدي الأميركي – الفرنسي المنتظر مهما اشتدّ وتفاقم في الحجم والنتائج يبقى بالنتيجة قابعا في إطار العقاب الرمزي المتجاوز للإطار الكلامي إلى إطار قعقعة السلاح والهوبرة التحذيرية التي ما زالت الولايات المتحدة حتى الآن مصرّة على التوقف عندها، إلاّ إذا طرأت مستجدات غير محسوبة قد تؤدي إلى ما يقلب التصورات المذكورة أعلاه رأسا على عقب.

وعليه، فإننا لا نصدق أن القوى الكبرى، لو شاءت قولا وفعلا، فإنها قادرة بأكثر من تصرف وأكثر من توجه وأكثر من أسلوب على قلب كل الطاولات التي يبدو أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، غير راغبة «حتى الآن» في اعتمادها والتصرف على أساسها، فهي ما زالت مع الأسف الشديد، تثبت في أكثر من موقع ومن توجه، عداءها للعرب واستطرادا، امتناعها عن اتخاذ القرارات الفاعلة المناسبة، وذلك نتيجة لتشتت أوضاعها الداخلية، ولانقسام الشعب الأميركي بين مؤيد لترامب ومعاد له في سياساته المضطربة والمهَّدد بشخصه وبوضعه ومستقبله كرئيس، بشتى صنوف الاحتمالات السلبية التي تضعه دوما في خانة متقلبة بين مدة ومدة، بل وبين يوم وآخر. أما عن مواقفه من قضية الشعب الفلسطيني، وآخرها موقفه من قضية القدس، بل ومن القضية الفلسطينية بأسرها حيث تبدو أن توجهاته قد استهدفت خلخلة أسسها بحيث لا تقوم قائمة لدولة فلسطين التي سبق التوافق عليها إقليميا ودوليا في حياة الرئيس الراحل أبو عمار.

مع كل ذلك… لا بد لنا من الترحيب بمحاولات الدولة الفرنسية الدخول في معمعة الشرق الأوسط وقضاياه وحرق الأصابع في لهيبه، فهي بالنتيجة دولة صديقة للبنان وصداقتها مستمرة منذ أجيال، وكانت لها مبادرات عديدة لحمايته والدفع به إلى الأمام، سواء كان ذلك في عهد الرئيس الشهيد الشيخ رفيق الحريري، أم في عهد خلفه الشيخ سعد.

آملين تجاوز المطبات التي يحفرها الخصوم وأعداء لبنان حتى تجاوز اهتزازات المرحلة الانتخابية وتشكيل حكومة جديدة واتضاح ما هو منتظر من إجراءات إصلاحية، ومعالجة جذرية لقضايا الإصلاح والفساد، يعلق عليها الجميع آمالا يؤدي تحققها إلى استمرار المسيرة الإنقاذية للوضع الإقتصادي المتدهور.