فرنسا التي تربطها بلبنان وشعبه، والمسيحيين على وجه الخصوص علاقات تاريخية مميّزة، تعود الى مئات السنين، ولا تقتصر فقط على مدةالانتداب، تبدي حرصها الدائم على استقلال لبنان وسيادته وعلى استقراره، ولم تبخل مرة واحدة عندما كان يمر في ظروف صعبة في تقديم كل عون ومساعدة له لإنقاذه من مشاكله، ووضعه على السكة الصحيحة، انطلاقاً من تلك العلاقة التاريخية المميّزة.
وفرنسا لا تخفي في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها لبنان قلقها على وضعه وعلى أمنه واستقراره وعلى مؤسساته الدستورية وانتظامها وحسن أدائها، لأنه كان لها دور أساسي في مساعدته على إقامة أول نظام ديمقراطي – برلماني في شرق يحكم كل دولة بأنظمة شمولية أو ديكتاتورية أو عسكراتية أو ملكية لا مكان فيها للديمقراطية والتي أساسها حكم الشعب للشعب ومن أجل الشعب وفق الفلسفة اليونانية القديمة، وفرنسا هذه، لم يخف هذه الأيام الصعبة التي يمر بها لبنان والخطر الذي يهدد نظامه الفريد وتتحرك على جميع الجبهات الدولية والاقليمية والمحلية على وجه الخصوص لإنقاذه من هذا الوضع المأساوي الذي يهدد انتظام مؤسساته الديمقراطية وما يعني ذلك على مستوى مصيره كدولة ذات سيادة ونظام، وتسعى بكل ما تملك من ثقل معنوي مع كل الاطراف اللبنانية ولا سيما في الظروف الحالية الصعبة حيث انقضى أكثر من سبعة أشهر على خلو رئاسة الجمهورية من رئيس يحافظ وجوده على انتظام المؤسسات الدستورية لحمل هذه الأطراف على تقديم مصلحة الدولة على المصالح الشخصية حرصاً منها على لبنان وعلى نظامه الفريد في هذا الشرق، وكانت تتوجه بشكل خاص الى مسيحيي هذا البلد الذين احتضنتهم مئات السنين وساعدتهم على مواكبة النهضة الثقافية والحضارية في العالم العربي من خلال المؤسسات التعليمية التي زرعتها في كل مناطقهم ومن خلال رعايتهم واحتضان أبنائهم وتقديم العون والرعاية لهم في جامعاتها وحتى في مؤسساتها الرسمية، ويذكر اللبنانيون ولا ينسون أبداً احتضان فرنسا للنائب ميشال عون عندما تعرضت له سلطة الوصاية السورية وحمايته ومساعدته للخروج من لبنان سالماً والإقامة عندها مدة تزيد على خمس عشرة سنة مع كل التسهيلات والرعاية والحماية وغيرها من متطلباته في منفاه القسري، كما يذكرون ولا ينسون أن النائب عون هو أول من يقف ضد المساعي الفرنسية لإنقاذ الجمهورية ومؤسساتها بإصراره على أن ينصّب نفسه رئيساً للجمهورية وإلا استمرار الفراغ في هذا الموقع المسيحي الأول في منطقة الشرق الأوسط.
وفي ظل هذا الوضع يزور رئيس حكومة لبنان فرنسا ويجتمع مع رئيسها هولاند، فيما عساه أن يبحث معه في هذه الزيارة حول لبنان وأزمته، وما يمكن أن يسمع من الرئيس هولاند حول هذا الأمر سوى تأسفه العميق والشديد والكبير لأن أصدقاءه في لبنان وفي مقدمهم النائب عون يلعبون لعبة تضييع الكيان وتخريب النظام.