Site icon IMLebanon

إختلال الحسابات بين فرنسا والسعودية

 

هل صحيح ما رَشَح من الأوساط القريبة من «حزب الله»، عن أنّ المملكة العربية السعودية باتت أكثر اقتناعاً بالطرح الفرنسي للتسوية، وأقل تشدّداً في رفض وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية؟ واستطراداً، هل حصلت السعودية على إغراءات تدفعها إلى التنازل أمام إيران في الملف اللبناني؟

في رأي ديبلوماسي واسع الاطلاع، أن إيران مرتاحة في مجال نفوذها الشرق أوسطي، لا بسبب امتلاكها القوة فحسب، بل أيضاً بسبب تضعضع المعسكر المضاد لها، وانصراف كل قوة داخل هذا المعسكر إلى البحث عن مصلحتها الخاصة مع إيران:

 

الولايات المتحدة تتصرّف على أساس أنّها صاحبة النفوذ الإقليمي الأوسع، وهي ستقاتل لئلا يشاركها أحد فيه، ويبقى زمام الحل والربط في يدها وحدها. ولذلك، هي تخوض غمار التفاوض مع إيران مثلاً، لكنها تعرقل أي صفقة يحاول الآخرون إبرامها مع الجانب الإيراني. ويفترض الأميركيون أنّ أي صفقة يبرمها أي طرف مع طهران ستأخذ عملياً من حسابهم ورصيدهم الإقليمي.

 

وأما فرنسا، فتنطلق من قاعدة معاكسة. فهي لا تملك في الشرق الأوسط إلّا القليل، ولاسيما في لبنان. ولذلك، هي تقاتل للحفاظ على هذا القليل وتحاول توسيعه ما أمكن. وتعتبر أنّ أي ربح تجنيه في أي تسوية مع إيران سيكون مكسباً لها.

 

وبين هذه وتلك، يعتبر السعوديون أنّهم أصحاب الرصيد العربي الأكبر، وأنّهم الأولى بتحديد الخيارات في المنطقة العربية. كما يمتلك السعوديون قدرات مالية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها. ولذلك، هم لن يكون قرارهم رهن أي قوة خارجية، كما بدا في مراحل سابقة من تاريخهم. وعلى أي قوة دولية أو إقليمية أن تدرك أنّ المملكة ممر إجباري في أي تسوية إقليمية.

 

هذا التباين في المصالح يمنح إيران فرصة ثمينة لرفع سقف مطالبها، و«الاستفراد» بكل خصم على حدة، واللعب على التباينات داخل المعسكر المضاد. ففيما توقفت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول ملفها النووي ونفوذها الإقليمي، تنشط المفاوضات على الخط السعودي- الإيراني برعاية الصين، ووصلت مفاوضات فرنسا مع الإيرانيين إلى اقتناع بأنّهم ليسوا مستعدين للتنازل لها، ما دامت غير قادرة على تسديد الثمن الذي يطلبونه.

 

ولكن، في المقابل، يدرك الفرنسيون أنّهم يمتلكون موقعاً مميزاً داخل لعبة التوازنات ويريدون استثماره جيداً. فهم وحدهم القادرون على تقديم أنفسهم كوسطاء بين إيران وكل من الأميركيين والسعوديين. وبناءً على هذا الامتياز، هم يحاولون اليوم القيام بجهودهم في لبنان وتسويق التسوية.

 

وإذ يوجّه البعض أصابع الاتهام إلى الفرنسيين بمراعاة المصالح الإيرانية «أكثر من اللازم» في هذه التسوية، فإنّ باريس تصرّ على القول إنّها لم تخرج يوماً عن ثوابت سياستها الرامية إلى ترسيخ التوازنات في لبنان، ولكن المرحلة تقتضي المزيد من الواقعية.

 

وفي المبدأ، يتوافق الفرنسيون مع السعوديين، ومع الأميركيين أيضاً، على هدف مشترك هو إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة. لكنهم يعتبرون أنّ تحقيق هذا الهدف مستحيل من دون إرضاء إيران بحدّ مقبول من المكاسب.

 

والتباين الحاصل بين فرنسا والسعودية حول التسوية في لبنان لا يتعلق بالهدف، أي إبعاد النفوذ الإيراني وتحقيق التوازن داخل دائرة القرار اللبناني، بل هو يترجم اختلالاً في النظرة إلى الأسلوب الواجب اعتماده لتحقيق هذا الهدف والخلل في الحسابات بين الطرفين:

 

فالسعوديون يرون أنّ التوازن داخل ثلاثي السلطة يقوم على الآتي: رئيس لمجلس النواب حليف لـ«حزب الله»، يوازيه رئيس للحكومة أقرب إلى المملكة، ويأتي رئيس الجمهورية متموضعاً في منطقة محايدة بشكل واضح ومضمون.

 

وهذه المعادلة يرتاح إليها الأميركيون أيضاً. ويعتبرها الفرنسيون مثالية، ويذكرون بأنّهم كانوا أساساً من الدعاة إليها، ولكنها لم تحقق الهدف. ولذلك، من الممكن الاكتفاء بضمانات معينة يقدّمها رئيس الجمهورية، ولو كان محسوباً على الخط الحليف لـ«الحزب»، كرئيس «المردة» سليمان فرنجية، ما دام هذا الأمر يتكفل بإنجاح التسوية. إنّه أفضل الممكن «الواقعي» لا «الافتراضي»، وفق النظرة الفرنسية.

 

يردّ السعوديون على باريس بالقول: نعم. في هذه الحال ستنجح التسوية. لكنها ستكرّس «الستاتيكو» القائم حالياً في لبنان، والذي يسلّم القرار إلى «حزب الله» وإيران لست سنوات أخرى. وحتى رئيس الحكومة الذي يُراد منه أن يكون من خارج خط «الحزب» سيكون ضعيفاً داخل تركيبة حكومته ومنظومة النفوذ المسيطرة، وقد لا يستمر في موقعه طويلاً. وسريعاً، ستخلو الساحة لمحور واحد. لذلك، إنّ الضمانة الحقيقية تكون بالرئيس المعروف بأنّه توافقي فعلاً.

 

وسط هذه التعقيدات، تبدو التسوية اللبنانية غير ناضجة حتى الآن… إلّا إذا دخل عنصر جديد على اللعبة: استكمال مسار الانفتاح السعودي والعربي على الرئيس بشار الأسد، الحليف الإقليمي الأول لفرنجية. ففي هذه الحال، قد يستفيد الفرنسيون من هذا التقارب لإقناع الرياض بحساباتهم الخاصة للتسوية.

 

هل هذا الاحتمال وارد؟ من المبكر الحسم في هذه المسألة، خصوصاً أنّ هناك الكثير من التشابكات ما زال يكتنف اللعبة إقليمياً ومحلياً. وسيكون على لبنان أن يجلس على قارعة الانتظار مترقباً ما سيقرّره له اللاعبون.