Site icon IMLebanon

فرنسا والنزاع العربي ـ الإسرائيلي بوصلة المجهول

المؤتمر الدولي لاعادة احياء «مفاوضات السلام» بين الفلسطينيين وإسرائيل، الذي انعقد منذ ايام في باريس بمشاركة 28 دولة وهيئة دولية، جاء ليزيد الموقف الفلسطيني تهميشا. فإذا كانت غاية المؤتمر التذكير ان السلام لن يتحقق الا بحل الدولتين، فقد تم أخذ العلم بالامر. حتى ان اسرائيل تؤيد حل الدولتين لكن بشروط تلغي مقومات الدولة الفلسطينية السيدة والمستقلة، ولا تمانع ان يكون للدولة العتيدة عاصمة في اي مكان باستثناء القدس وتؤيد بإصرار شديد «حق العودة» الى اي دولة في العالم باستثناء فلسطين ما قبل 1948.

من الصعب تخيّل امكانية انجاح مؤتمر يهدف الى انهاء نزاع دائر منذ نحو قرن لا يشارك فيه المحتلّ، اسرائيل، التي رفضت المؤتمر شكلا ومضمونا، ولا ضحايا الاحتلال، الفلسطينيون. واذا كان الهدف التشاور بين الاطراف الدولية، فهذا لا يستدعي مؤتمرا وصخبا اعلاميا. كما ان توقيت انعقاد المؤتمر، في العام الاخير من ولاية رئيس الدولة الداعية، لا يساهم في اطلاق الزخم المطلوب لمرحلة ما بعد المؤتمر. والموعد المقرّر لاستكمال البحث قبل نهاية العام الجاري مراهنة جديدة على المجهول في زمن التحولات الكبرى. فما الجدوى من مؤتمر دولي يعتمد المجهول بوصلته؟

الواقع ان الظروف الاقليمية والدولية الراهنة غير مؤاتية لايجاد حل عادل للنزاع العربي – الاسرائيلي في ظل التعنّت الاسرائيلي والاستيطان المتواصل، والانقسام الفلسطيني، والموقف الاميركي الداعم لإسرائيل، والحروب الدائرة في المنطقة. انه التوقيت الاكثر سوءا للفلسطينيين، الطرف الاضعف في المعادلة. اما المبادرات التي أُطلقت لايجاد تسوية ممكنة للنزاع منذ العام 2000، ابرزها خارطة الطريق (Road Map) برعاية «الرباعية الدولية» (Quartet) التي تضم العالم أجمع (الامم المتحدة، الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي وروسيا)، فلم يتضمن البيان الختامي للمؤتمر سوى اشارة عابرة للتذكير بوجودها. واين مؤتمر باريس من مفاوضات السلام في تسعينيات القرن الماضي التي بدأت في مدريد وانتهت في طابا عشية بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وانتجت اتفاق اوسلو في 1993، وبعد سنة معاهدة سلام بين الاردن واسرائيل؟

المؤتمر الدولي الاخير المتّصل بالنزاع العربي – الاسرائيلي انعقد في مدينة انابوليس الاميركية في 2007. وكان عمليا محاولة متأخرة لادارة النزاع في العام الاخير من ولاية جورج دبليو بوش الرئاسية، بعد اربع سنوات على حرب العراق. انحصر اهتمام المؤتمر بالطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وادى الى اقرار رزمة جديدة من المساعدات الدولية للطرفين، اي عمليا ابقاء الوضع على حاله مع تمويل اضافي، المستفيد الاول منه اسرائيل، الاكثر قدرة على استثمار الدعم الدولي.

يأتي مؤتمر باريس في سياق سياسة خارجية فرنسية تُراكِم الاخفاقات. ففي السنوات الاخيرة، كان الموقف الفرنسي الاكثر تشددا أوروبيا تجاه النظام السوري، ولم يتعب وزراء الخارجية في عهد الرئيسين ساركوزي وهولاند من الجزم بأن النظام السوري ايامه معدودة، الى ان ضرب الارهاب الداعشي باريس فأعادت فرنسا تصويب قراءتها للازمة السورية وقررت المشاركة الى جانب قوى التحالف الغربي في التصدي للارهاب.

ولم توفر باريس جهدا لرفع سقف الشروط الدولية في المفاوضات بين ايران والدول الكبرى الى ان تم توقيع «اتفاق فيينا»، فاستعجلت مسيرة التطبيع مع ايران واستقبلت الرئيس الايراني حسن روحاني بترحاب لافت، ترافق مع توقيع عقود تجارية وازنة. وفي لبنان مبادرات فرنسية لم تهدأ واتصالات في السر والعلن مع الاطراف الاقليمية النافذة لم تصل الى نتيجة. حتى ان الرئيس هولاند، في زيارته الاخيرة للبنان، لم يستطع حمل الرياض على اتمام تسليح الجيش اللبناني بهبة سعودية وسلاح فرنسي.

فرنسا دولة عريقة في ديبلوماسيتها ومعرفتها بالمنطقة، دولا وشعوبا. وهي كانت لفترة طويلة في طليعة الدول الاوروبية المؤيدة لحل عادل للنزاع العربي – الاسرائيلي، خصوصا في عهد الرئيس شارل ديغول وما بعده. وهي تبدو الآن اكثر تفهما للموقف الاسرائيلي الذي ازداد تطرفا واستبدادا، بينما التشدد سيد الموقف في سياستها تجاه مسائل اخرى لم تجن منها باريس اي مردود.

وما ينتظره الفلسطينيون من اي مؤتمر دولي مثمر، دعم الدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة، لموقفهم لايجاد حد ادنى من التوازن تجاه الموقف الاسرائيلي وليس الاكتفاء بالتذكير بأهمية انهاء النزاع وتكرار مواقف معروفة لا تفي بالغرض المطلوب.