IMLebanon

الدفع بالحكومة إلى الإعتذار، وبالبلاد إلى الإنتحار

 

مما لا شك فيه أن المبادرة الفرنسية قد قلبت كل الأوضاع في لبنان رأساً على عقب، خاصة وأنها قد أقبلت إلينا بعد جملة من المستجدات، كان أبرزها جملة من الإنهيارات. أ) على الصعيد الحكومي أولا، حيث تهاوت حكومة الرئيس دياب بعد أن طغت عليها منذ تأليفها سلطة وتسلط حزب الله وبقية الأتباع والمستظلين بسلطة الدويلة والمنتفعين بجملة من المغانم ما كانت لتكون من نصيبهم لولا المساهمة والحماية التي طاولتهم. ب) سلسلة من الإنهيارات المالية والإقتصادية جعلت من لبنان على حافة الزوال كما صرح بهذه النتيجة الرهيبة أكثر من مسؤول فرنسي بمن فيهم الرئيس ماكرون ورئيس وزرائه. ج) الكارثة التي حلّت ببيروت خاصة وبلبنان عامة، من خلال الإنفجار «النووي» الذي طاولنا لأسباب ما زالت قيد التحقيق والتدقيق دون الوصول إلى نتيجة نهائية بعد مرور ما يزيد عن الشهر على هول الكارثة وبعد مضي بضعة أيام على الحريق الهائل الذي طاول المرفأ بطريقة غريبة عجيبة لم تزل خاضعة للتمويه حتى تاريخه.

 

ونتيجة لكل هذه الأوضاع المعيبة والرهيبة التي جرّدت لبنان من كل طاقاته وقدراته المالية والإقتصادية، وطاولت ودائع أبنائه من جنى العمر وكدّ السنوات الطوال، وجعلت منهم ومن سواهم من المواطنين العاطلين عن العمل في حالات مريعة من الفقر المدقع. كنا نظن أن تنفيذا دقيقا لما تم التوافق عليه خلال زيارتي الرئيس ماكرون للبنان سيتم تنفيذه خلال المهلة المحددة بدقة وعناية وتصميم من الراعي الرئيسي، ومن خلفه الداعم الأميركي، الاّ أن حليمة تحاول العودة إلى عادتها القديمة من خلال التحلّل من التزاماتها والتشاطر على القوى القادمة إلينا بزخم ودراية تحاول أن تلقي بوجهنا جميعا خشبة الخلاص الأخيرة التي يمكن أن تعتمدها في عملية الإنقاذ من الغرق، وبالتالي من زوال هذا الكيان الغريب العجيب في كل ما يتشاطر سياسيّوه، ويبذلون المستحيل للحفاظ على عملية اللعق المستمر لكل ما تبقّى من آمال البلاد والعباد في الوصول إلى شاطيء التنفس والحياة والإنقاذ والخلاص.

 

مرة جديدة تبرز محاولات مستجدّة للعودة إلى الماضي القريب والبعيد، مرة جديدة يتجاهل هؤلاء الجهلة كل الواقع المرّ الذي وضعوا البلاد في خضمه، فإذا بهم يعودون إلى اللعنة البالية التي لم تعد تنفع ولا تفيد في أية محاولات لحرفها عن الطريق الذي ارتؤي لها وابلغ إليها، فوافقت عليه، وأطلقت له العنان.

 

بعد أن أفلح الفرنسيون في تنحية وضعية حزب الله ولو مؤقتا «عن ساحات المشاجرة والتناحر، تمكينا للبلاد من استعادة أنفاسها الإقتصادية والمالية والحياتية، خاصة بعد مأساة الرابع من آب وتوابعها، «استيقظ» المسؤولون على ما جنوه بحق أنفسهم وزعماتهم وجيوبهم وطموحاتهم إلى مزيد من النهب والسرقة وأكل كل حبة من تراب هذا الوطن المنكوب، فجأة استيقظوا على جملة من المطالب المستنهضة من ماض سحيق حوّلهم من ميليشيات متصارعة إلى زعامات حاكمة ومتحكمة بمصير البلاد والعباد، فجأة عادوا إلى لغة المحاصصة واستملاك بعض الوزرات إليهم وإلى نفوذهم وجيوبهم، وبتنا اليوم أمام مطالبات تعود إلى لغة الماضي المتسلط، يحاولون فيها فرض واقع مختلق يذهب إلى وجوب «تمليكه» وزارة المالية كونها وضعا «ميثاقيا» أقره مؤتمر الطائف (وهو أمر غير صحيح) وقد أضيف إلى هذا المطلب «القتالي»، وجوب أن يتم تسمية الوزراء الشيعة جميعا من قبل «الثنائي»، الأمر الذي يعيدنا إلى حالة وزارة الرئيس دياب «المقالة»، حيث تمكن الأخطبوط السياسي المعروف من الإطباق على وزاراتها ومواقعها السياسية جميعا، فبتنا أمام حكومة جاءت إلى الوجود برايات استقلالية وتخصصية، فاذا بها حكومة حزبية بالكامل، ترضخ في الواقع وبالنتيجة وبالممارسة الفعلية إلى سياسة وقيادة حزب الله. أصحاب «الصحوة المفاجئة» يحاولون العودة إلى روحية ووضعية ومنهجية حكومة الرئيس دياب المستقيلة، متجاهلين جملة من المستجدات التي طرأت على البلاد وعلى هذا الشعب المقهور، وفي طليعتها، إنفجار الرابع من آب» النووي» وضحاياه ونتائجه التي أطاحت بقسم متميز من مدينة بيروت، حافل بالبنايات الأثرية والعمران المتميز والإنتاج الحضاري والفكري والفني، دون أن ننسى ذلك الحريق الهائل الذي تلاه في نفس الموقع المنكوب، الأمر الذي أدخل البلاد والعباد في معمعة الخوف والتحسب وتفكير جدي «خاصة من قبل الأجيال الصاعدة»، بترك هذا البلد لدماره وخرابه ولبقائه معتقلا بأيدي المتسلطين والراغبين في الإبقاء على السطوة التدميرية وسرقات طاولت آخر قرش يملكه أي مواطن «مستور» من أبناء هذا البلد وتحقيق غايات مقصودة في إخلاء هذه البلاد إلى فئة من المغامرين الذين أسلموا زمامهم وأوطانهم إلى غريب قادم إلينا من بعد امبراطوري فارسي، غلبت عليه طموحات تاريخية استعمارية متسلحة بمذهبية مقيتة، يطمح اللبنانيون جميعا إلى ترك عفنها وتخلفها في غياهب التلاشي والنسيان.

 

وبعد: هي فرصة وقد لا تعود من خلال الجهد الفرنسي الذي لن يكون بعده فرصة، ذلك أن الآتي الرهيب الأعظم هو الذي سيكون مستحكما بمستقبل الأيام. إن المستجدات المقبلة إن لم ترضخ لمساعي الإنقاذ والخلاص القائمة ستدفع بهذا البلد وأبنائه إلى المهاوي السحيقة التي تهدد وجوده واستمراريته وعودته إلى مسالك الحياة المقبولة والعادية.