سواء أكان المؤتمر الدولي الذي تنوي فرنسا عقده من أجل لبنان هو «مؤتمر دعم» مادي أم كان مؤتمراً سياسياً يهدف الى توفير مساعدة للبنان لتجاوز أزمة الفراغ الرئاسي، فإنّ هذا النشاط الفرنسي يجب أن يُقابل من الجانب اللبناني (وبالإجماع) بتثمين هذا الدور الفرنسي، وإن كنا جميعاً ندرك محدودية قدرته على الفعل، وبالتالي على تسجيل خرق في جدار الأزمة الضيق.
ومع التفهم الكامل للتوضيح/ النفي الذي أدلى به، أمس، السفير الفرنسي في بيروت، فإننا نرحّب بأي مبادرة فرنسية. ونحن فهمنا كلام السفير بون من منطلق حرص باريس على التأكيد على أن المسألة الرئاسية اللبنانية هي شأن لبناني وحسب.
وهذا حقيقي في المبدأ، ولكنه يسقط أمام التدخل في الشأن اللبناني من أقربين وأبعدين، ولا ضرورة للتسمية… فالتدخل واضح للعيان وليس في حاجة لمن يشير اليه لأنه يشير الى ذاته بذاته.
على الأقل فإن فرنسا إذا تدخلت فإنما حرصاً منها على إستقرار هذا البلد الذي يعاني منذ عقود أزمات خانقة متناسلة ليس ما ينبىء بأنها الى إنقضاء. وبالتالي ليست مصادفة أن تكون باريس قد استقطبت البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري في لقاءين في الإليزيه لم تفصل بينهما سوى أيام معدودة كانت قد اتسعت للقاء عقده سيد بكركي مع رئيس الحكومة السابق لم يكن في تقديرنا من باب المجاملة.
والمساعي الفرنسية لم تتوقف منذ دخول لبنان في الفراغ الرئاسي المرشح لأن يلج أعتاب سنته الثالثة في خلال اسبوع من اليوم. بل إن فرنسا سعت، منذ ما قبل إنتهاء الولاية الرئاسية السابقة الى إيجاد تفاهم لبناني – لبناني على الرئيس المفترض أن يلي الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، إلاّ أنها لم توفق في مسعاها الذي ترجمته بضع زيارات فرنسية الى كل من طهران والرياض وبيروت. ثم إن باريس ستوفد الينا، خلال أيام، وزير خارجيتها في زيارة هي أيضاً ليست للمجاملة بأي حال من الأحوال.
يحدث هذا النشاط متوافقاً مع بضع مؤشرات يجدر التوقف عندها وبإهتمام، منها المؤشران الآتيان:
أولاً – الكلام الذي تواتر منذ منتصف شهر نيسان الماضي، والذي لم يُسحب من التداول بعد، حول ولاية رئاسية إنتقالية تراوح بين سنتين (كما قيل أولا) وثلاث سنوات (كما قيل لاحقاً) فينتخب العماد ميشال عون بإجماع تقتضيه التسوية (أو بشبه إجماع). وجلّ ما عرف عن موقف عون أمران أولهما معلن وهو أن أحداً لم يفاتحه رسمياً في الأمر، والثاني مضمَر وهو أنه لا يقبل بالسنتين إنما لا يعارض السنوات الثلاث.
ثانياً – الكلام الواضح والمباشر الصادر عن الرئيس نبيه بري والقائل بالموافقة على إجراء الإنتخابات النيابية قبل الإنتخابات الرئاسية «شرط» أن تكون أول أعمال المجلس النيابي الجديد إنتخاب رئيس للجمهورية. وأن يكون تعهد ملزِمٌ من الأطراف المعنية كافة بهذا الشرط.
وثمة مؤشرات إضافية ليست في أهمية المؤشرين الواردين أعلاه. فهل بدأت الطبخة الرئاسية تتجه نحو النضوج؟