يَعِد الفرنسيون والاميركيون أنفسهم في إمكان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة خلال الايام المتبقية من الشهر الجاري، والتي ستشهد زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر لبنان خلالها، لتنتهي مطلع الشهر المقبل بعودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مشاركاً في الاحتفال بمئوية اعلان «دولة لبنان الكبير» عام 1920 على يد الجنرال غورو ايام الانتداب الفرنسي.
يستحيل ان تُؤلف الحكومة الجديدة في هذه العجالة، يقول مطلعون على الموقفين الاميركي والفرنسي، إلاّ اذا حصل شيء ما دراماتيكي، ألزم المعنيين بالملف الحكومي باستعجال الخطى لإنجازه، ذلك أنّ ما يحصل من مشاورات وتحركات وما يرشح من مواقف من هنا وهناك، لا يشي بأن التكليف والتأليف الحكوميين متيسران، وانّه لا يزال مطلوباً بذل كثير من الجهد للتقريب بين المواقف، للاتفاق على رئيس الحكومة العتيد، وكذلك على التشكيلة الوزارية التي يتجاذبها موقفان، احدهما يتمسّك في ان تكون «حيادية»، والآخر يصرّ على ان تكون «حكومة وحدة وطنية»، فيما الشارع يرفض عودة المنظومة السياسية المتهمة بالفساد الى حكم البلاد، ويدعو الى محاكمتها على ارتكاباتها واستعادة المال المنهوب والمهرّب الى الخارج، لكي تستعيد الدولة توازنها الاقتصادي والمالي.
لا ماكرون ولا وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل سمّيا أحداً لرئاسة الحكومة العتيدة، يقول المطلعون على الموقفين الاميركي والفرنسي. فالرئيس الفرنسي دعا امام المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية والحزبية الذين التقاهم، الى «العمل بوحدة وطنية»، أي بحكومة يتشارك فيها الجميع، ولم يرشّح لرئاستها اي اسم، لا الرئيس سعد الحريري ولا غيره، خلافاً لكل ما قيل في هذا الصدد. ولفت الى ان لا تكون لأي فريق سياسي سيشارك فيها اي «هيمنة» عليها، ملمّحاً مداورة في هذا المجال الى «حزب الله» وحلفائه، وقيل انّ ماكرون صارح بهذا الامر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال خلوتهما «على الواقف» اثر اجتماع «قصر الصنوبر» الشهير.
أما هيل، فتحدث ايضاً عن هذا الامر مع الذين التقاهم ولو بلغة مختلفة، هو لم يحدّد اي اسم لرئاسة الحكومة ولم يسمّها «حكومة وحدة وطنية» وانما حكومة يشارك فيها الجميع، شرط الّا يكون لأي فريق فيها هيمنة عليها (وطبعاً كان يقصد «حزب الله» وحلفاءه). وفي العادة، يقول المطلعون على الموقف الاميركي، لا يرشح الاميركيون اي اسم لرئاسة الحكومة، انما يضعون خطوطاً حمر على اسماء لا يؤيّدون اختيارها. وعلى الأرجح أنّه قال للذين التقاهم، لا تأتوا الى رئاسة الحكومة بشخصية مثل رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، الذي لم يؤيّدوا اختياره في الاساس، مثلما لم يؤيّدوا حكومته. وقد نادى هيل بـ«حكومة قوية» يساندها الجميع وتكون متوازنة ولا يكون «حزب الله» هو «المهيمن» فيها.
ويعتقد المطلعون على التحرّك الفرنسي – الاميركي في اتجاه لبنان، انّ زيارة هيل الاخيرة للبنان كانت تعبيراً عن دخول اميركي مباشر على خط الازمة إثر انفجار مرفأ بيروت، بعدما كانت واشنطن تتحرّك من خلال باريس في هذا المضمار، نظراً لانشغالها بالانتخابات الرئاسية المقرّرة في تشرين الثاني المقبل. والبعض قال، انّ هذا التحرّك الاميركي أُريدَ منه دعم التحرك الفرنسي الذي بلغ ذروته بتولّي ماكرون «المهمة اللبنانية» مباشرة، وخصوصاً بعد ان شعر الفرنسيون انّهم لا يستطيعون انجاز هذه المهمة بمفردهم بعدما اكتشفوا انّهم يواجهون «منظومة فساد» من الصعب اختراقها. وليس مستبعداً أنّ ماكرون استعان بنظيره الاميركي دونالد ترامب لإنجاح اجتماع باريس الاخير الذي اقرّ مساعدات للبنان، وقد استجاب ترامب لطلبه بلا تردّد وشارك في هذا الاجتماع، والذي قرّرت واشنطن فجأة وعلى اثره ايفاد هيل الى لبنان، وهو العالم بتفاصيل التفاصيل في لبنان، والذي يتكلم اللغة العربية بطلاقة، تمهيداً لزيارة شينكر المنتظرة قبل نهاية الشهر الجاري.
ولم يكتفِ الفرنسيون بهذا الامر، ولذلك، ومنذ مغادرة ماكرون بيروت واعداً بعودته اليها مطلع الشهر المقبل، يمارسون ضغوطاً مختلفة، طامحين بولادة الحكومة الجديدة بعد زيارة شينكر المرتقبة وقبل الاحتفال بمئوية «دولة لبنان الكبير» التي سيشارك الرئيس الفرنسي فيها شخصياً.
ويشير المطلعون ايّاهم، الى انّ الفرنسيين والاميركيين «يحاربون» في لبنان الآن «جداراً» من الفساد ليس سهلاً إختراقه، فهم لم يصلوا بعد الى مرحلة وضع فلان او علاّن على اللائحة السوداء، وإنما يخوضون المعركة الآن «بالأسلحة الخفيفة» مؤجّلين استخدام «الاسلحة الثقيلة» الى ما بعد الانتخابات الاميركية، ولذلك تراهم يسرّبون من حين الى آخر عن عقوبات ستُفرض على كذا وكذا، ولا يريدون الآن الدخول في «معركة فاصلة»، خصوصاً ضد «حزب الله» وايران، لأنّ الهدف الاميركي كان ولا يزال في هذه المرحلة هو «جلب» طهران الى طاولة المفاوضات، فيما الايرانيون ينتظرون ليعرفوا مدى فرص ترامب في الفوز بولاية جديدة، ولا يمكنهم ان يأتوا الى هذه المفاوضات، لأنّ كل المؤشرات والمعطيات لديهم ترجح فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن، حيث انّهم يعتبرون انّ امكانية التفاهم مع الديموقراطيين متوافرة بقوة، كون هؤلاء هم من ابرموا الاتفاق النووي الى جانب الدول الخمس الأخرى، والذي أخرج ترامب الولايات المتحدة الاميركية منه، وعاد الى فرض العقوبات والحصار على طهران. ولذلك، فإنّ الايرانيين الذين يعضّون على الجرح منذ اكثر من سنة في المواجهة مع ترامب وطنوا انفسهم، في ما يبدو، على الاستمرار في هذا العض لشهرين اضافيين، اي حتى موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، وكل ما يحصل الآن بين واشنطن وطهران لا يعدو كونه مناورات في انتظار تلك الانتخابات.
ولذلك، هناك خشية في لبنان من ان يتأخّر تأليف الحكومة الجديدة الى ما بعد الانتخابات الاميركية، في حال لم يتيسر تأليفها قبيل عودة الرئيس الفرنسي مطلع الشهر المقبل او حتى خلال النصف الاول منه.