إذا صحَّ أنّ الطيران الحربي الإسرائيلي قد شنَّ غاراتٍ جديدة على مواقع للجيش السوري في الجولان المحتل، تكون تل أبيب قد سبقت موسكو الى التدخل في الشأن السوري، وهو أمرٌ يرفع من نسبة القلق على مستقبل الوضع هناك. فروسيا لم تعلن بعد عن أيّ تفاهم حول سوريا سوى مع إسرائيل لمنع أيّ صدام بينهما. فما هي السيناريوهات المنتظَرة؟
في عزّ النقاش الذي لا يُتوقّع أن ينتهي قريباً الى أيّ نتيجة واضحة حيال وجود تفاهم روسي – أميركي على الوضع في سوريا ودور كلّ منهما وأطراف الحلف الدولي في الحرب على «داعش» والإرهاب الذي تُمثّله ودور النظام في دمشق ومصيره، جاء الإعلان ليلَ الأحد – الإثنين عن ضربات جوّية إسرائيلية على مواقع للجيش السوري في الجولان.
وفي انتظار النفي أو التأكيد الإسرائيلي لهذه الروايات، وتحديداً الرواية السورية التي قالت إنّ الغارة استهدفت موقعَ «اللواء 90» في ريف القنيطرة وأدت الى جرح ثلاثة عناصر من الجيش السوري وتلاها قصفٌ مدفعيّ إسرائيلي على المنطقة، لا بدّ من الإشارة الى أنّ هذه الغارة تلت بساعات نشر صحيفة «إسرائيل توداي» التي يشرف عليها قريبون من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو معلوماتٍ عن وصول «عتاد روسي عسكري وأمني وأجهزة تؤهّل طهران لغزو الفضاء»، وتسليم السوريين الى «حزب الله» 75 دبابة روسية حديثة الصنع، لافتة إلى «غضب الأوساط الأمنية الإسرائيلية» ممّا حصل.
ليس في ما تقدّم ما يشير الى أيّ مفاجآت، فليست المرة الأولى التي تُغير فيها الطائراتُ الإسرائيلية على أهداف سورية وأخرى لـ «حزب الله» والخبراء الإيرانيين، لكنّ أيّ عملية بعد التورط الروسي في الأزمة بات له معنى آخر، وهو ما طرح معادلة جديدة تستند الى سَيْل من الأسئلة، أبرزها:
هل سيستدرج التدخل الروسي تدخلاتٍ أخرى تُغرق سوريا في مزيد من الدم فيتدخل كلّ مَن له مصلحة ببقعة منها؟ وهل سيقف الأمر عند استمرار التدخل الإسرائيلي؟ وما سيكون عليه الموقف التركي الذي يرغب في ترتيبات للشمال السوري رفضها الحلف الدولي، فكيف بالنسبة الى الموقف الروسي؟
ما سيكون عليه الموقف الأميركي إذا أصرّ الروس على عدم حصر العمليات العسكرية التي خصّصوا لها عشرات الطائرات المتطوّرة بضرب «داعش» وتوسعوا في عملياتهم لتشمل ما تُسمّيهم واشنطن «الحلفاء المعتدلين»؟ وهل يمكن أن يتوقع أحدٌ أن تشارك روسيا في الحلف الدولي بشروطها الخاصة وليس أقلّها إشراك الجيش السوري النظامي في العمليات العسكرية ضدّ الإرهابيين من دون التمييز بين «داعش» وغيرها.
لن تمرّ الساعاتُ إلّا وتحسم القمة الأميركية – الروسية أسئلة عدة بالإضافة الى ما سيُعبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حضر الى نيويورك هذه المرة طرفاً في الأزمة وليس وسيطاً، بعدما كشف بعض أوراقه في سوريا مستنداً في خطوته على عكس الحلف الدولي، إلى طلب رسمي للتدخل بحراً وبرّاً وجواً من «السلطة الشرعية السورية».
على هذه الخلفيات، كشفت التقارير الواردة من موسكو أنّ بوتين لم يتدخّل لو لم يتيقّن أنّ الجيش السوري بات على قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار، وهو ينظر بعين الريبة الى صدقية الحلف الدولي في ضرب «داعش». وكلّ ذلك يحصل في وقت لم تحسم فيه التقارير الواردة من واشنطن عن أيّ تنسيق مسبق بين العاصمتين ما قد يُكرّر «سيناريو أوكرانيا» في أقل من عام وهو أمر يحتاج الى الكثير من العناية والتبصّر.
وما لم تحسمه التقارير الروسية والأميركية تحدثت عنه معلومات وزارة الدفاع الفرنسية في تقرير رفع الى الرئيس فرنسوا هولاند يتحدث عن تفاهمات روسية – أميركية لتقاسم الأدوار في الحرب على الإرهاب وإقامة «هيئة تخطيط ثنائية روسية – أميركية» لتنسيق الضربات الجوّية على «داعش» في سوريا أنيط فيها التخطيط العسكري للجانب الأميركي والتخطيط الديبلوماسي للجانب الروسي ويلعب فيها المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا دوراً مهماً ضمن التقاطع في مصالح الدولتين بما يعطيها البعد الدولي الذي اشترطته روسيا معطوفاً على طلب السلطات السورية الرسمي بالتدخل.
وتضيف التقارير الفرنسية أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري يريد هذا التنسيق وأنه ينتظر لقاءات نيويورك لتكريسها إلى تفاهمات. وهو ما دفع الفرنسيّين الى تزخيم عملياتهم في سوريا في الأيام الماضية لتؤكد باريس حضورها في هذه المرحلة.
وكلّ ذلك يحصل على وقع كلام ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري الذي لم يستبعد صداماتٍ في الأجواء بين طائرات مختلفة تقاتل بلا تنسيق.
وعليه سيبقى الجوابُ على هذه الأسئلة رهناً بما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات.