تكررت الهجمات اللاذعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على فرنسا، وفي أحدث فصولها، اتهامه الحكومة الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي، بدعم منظمات «تنفي وجود إسرائيل» و «تحرّض» على العنف.
لعل نتانياهو أراد التذكير بموقفه المعارض لمؤتمر السلام الدولي الذي تعمل باريس على تحضيره وتأمل بانعقاده قبل نهاية هذا العام، أي أنه موقف استباقي من رئيس الوزراء الإسرائيلي هدفه الالتفاف على الدعوات الى وقف الاستيطان، الهدف الرئيسي للمؤتمر.
ولا يغفل رئيس الوزراء الإسرائيلي كما في كل مناسبة، الإشارة الى أنه يتساوى مع دول الغرب الواقعة تحت ضربات الإرهاب المنتظمة، وفي مقدمها فرنسا، دون التوقف عند مفارقة أن تجد باريس نفسها تحت مطرقة المتشددين وسندان حكومة اليمين الإسرائيلية.
والملفت أن يبرر نتانياهو توقيت تصعيده بالإشارة الى «محادثات تجرى داخل الحكومة الفرنسية حول سبل منع التمويل الخارجي للهيئات التي تضر بأمن المواطنين الفرنسيين»، دون أي يكون هناك وجه للمقارنة بين خطوات «هادئة» تقوم بها فرنسا لصون أئمتها ومساجدها ومواطنيها من عدوى التطرف، وبين إجراءات «حادة» مهد لها الكنيست بإقراره الشهر الماضي قانوناً ضد المنظمات غير الحكومية يشكل انتهاكاً لحرية التعبير، باستهدافه الجمعيات اليسارية المناهضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية والمدافعة عن حقوق الإنسان.
ويتحصل بعض هذه الجمعيات (أو المنظمات وفق التعبير الإسرائيلي)، على جزء من تمويله من دول أو منظمات رسمية أوروبية، ويحظى بتعاطف ودعم معنوي من ناشطين في حملات تدعو الى مقاطعة إسرائيل، رداً على نهج الاستيطان التوسعي، «الخط الأحمر» للحكومة الإسرائيلية كما يوحي تشنجها في مواجهة الدعوات الى كبح جماحه… تشنج لا يحول دون فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي باباً للمساومات، اذ يتعهد بتحقيق في هذا الشأن يقدم نتائجه الى الحكومة الفرنسية لـ «نبدأ مباحثات معها في هذه القضية لأن الإرهاب والتحريض، كما يبدو، يشملان العالم أجمع»، كما يقول.
ونتانياهو الذي يتحسب لمستجدات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يرغب بلا شك في ليّ ذراع الشركاء الغربيين في الرباعية، لمحاولة الوصول الى تسوية تهدئ من حدة الموقف الذي عبرت عنه في تقريرها الأخير والمتعلق بـ «التأثيرات المدمرة للاستيطان والعنف على حل الدولتين». يقابل ذلك تشديد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الشهر الماضي، على تمسك بلاده والمجتمع الدولي بـ «حل الدولتين»، صيغة وحيدة ممكنة لتسوية سلمية في المنطقة.
وفي تصريح مهم أدلى به لموقع إخباري عبري، قال ايرولت أن «تقرير الرباعية الدولية- وما توصل اليه من استنتاجات- يعزز ويدعم مبادرة السلام الفرنسية، لذا فإن فرنسا ستواصل الإعداد والتحضير لعقد مؤتمر السلام الدولي المنوي عقده نهاية العام الحالي». وهذا كلام كفيل بإثارة سخط اليمين الإسرائيلي على الديبلوماسية الفرنسية، علماً أن ما قاله الوزير الفرنسي لا يعدو كونه تأكيداً لموقف دول الرباعية، أي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
لم يكن هناك شك في أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية لن تقر شيئاً يمسّ بسياسة الاستيطان، ولا حتى من باب الاقتراحات الأميركية التي تربط وقفه بالتخلي عن حق العودة، لذا فإن مناورة نتانياهو الاستباقية لا تقدم جديداً في هذا الاتجاه سوى أنها تعكس محاولة ممارسة إرهاب معنوي على فرنسا، رغبة في القفز على تماسك الموقف المناهض للاستيطان الذي تجمع عليه أطراف مجموعة الدعم الدولية للمؤتمر الدولي والمتمثلة بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن و «الرباعيتين» الدولية والعربية.