IMLebanon

فرنسا راعية انتخاب عون والصفقة «غير خاسرة» سعودياً

برغم التمهيد منذ اسابيع لاحتمال ترشيح الرئيس سعد الحريري العماد ميشال عون رئيسا، يثير الانقلاب الداخلي الفجائي، ولا سيما تخطي معارضة الرئيس نبيه بري، اسئلة كثيرة اولها: اي سر وراء انهاء اكثر من سنتين ونصف سنة من الشغور الرئاسي في 24 ساعة، بعدما كادت الرئاسة تطير من يد عون في الايام الاخيرة؟

قد تكون من المفارقات السياسية الكثيرة، ان يستعد العماد ميشال عون للعودة الى قصر بعبدا، باقتراح فرنسي رسمي، بعدما خرج منه، عام 1990، بحماية من فرنسا التي استقبلته في المنفى حتى عام 2005.

فوفق مصادر سياسية على تواصل مع الادارة الفرنسية، تبدو باريس الاكثر اطمئنانا الى التطور اللبناني الاخير، فيما لو نجح اخيرا رهانها الرئاسي، بعد محاولات عدة فاشلة. اذ ان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كان اول من اقترح على الرئيس سعد الحريري، قبل نحو خمسة اشهر، الانتقال الى خيار انتخاب عون الذي حاز شبه اجماع مسيحي، وبعدما وصلت المفاوضات اللبنانية والاقليمية حول اقتراح الحريري بانتخاب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه رئيسا الى حائط مسدود. ومرة اخرى تأكد للحريري في لقائه الاخير مع وزير الخارجية جان مارك ايرولت ان باريس لا تزال تدعم هذا الخيار، علما ان حصيلة الزيارة التي قام بها ايرولت الى بيروت في تموز الماضي عززت انطباع الرئاسة والديبلوماسية الفرنسية بشأن اقتراح هولاند، الامر الذي شجعه على الاستمرار في خوض هذا المسار الجديد، وحث الحريري عليه.

لكن ليس لفرنسا وحدها ان تكون راعية هذا الاستحقاق بعد اكثر من سنتين ونصف سنة على الشغور الرئاسي، وخصوصا في ضوء تأكيدات ان باريس تباحثت فيه مع اكثر من مسؤول سعودي. فالسعودية التي تركت الباب مفتوحا امام الحريري لاتخاذ الخيار الذي يراه مناسبا في انتقاله من ضفة بنشعي الى الرابية، انما ايضا تكرس إذا انتُخب عون، عودتها الى لبنان، من باب السرايا الحكومية، من دون ان تتخلى عن دعم معارضي الحريري ومناوئيه في لبنان، وفي مقدمهم الوزير اشرف ريفي، الذي صعّد امس معارضته في هجومه على عون، وبعض الشخصيات السياسية التي تعترض على مجيء عون رئيسا. وتكريس عودتها، بحسب سياسيين، يعني انها في لحظة اقليمية، تتوجه فيها الانظار الى الموصل، وسوريا بعد معركة حلب والمفاوضات الدولية حول التسوية فيها، يمكن للسعودية ان تحقق صفقة غير خاسرة في لبنان، من خلال الاتيان بعون رئيسا بعد ترشيحه من قبل حليفيها القوات اللبنانية اولا الحريري ثانيا، وعودة الحريري رئيسا للحكومة.

نصرالله ملتزم الثنائية التي تجمعه مع بري، ولن يسمح بانعكاس انتخاب عون تشنجاً في الشارع الشيعي

يبرر الحريري لمن التقاهم اخيرا، سواء من قوى 14 آذار او من وفد تيار المردة، انه «كان ملتزما بفرنجيه الى الحد الذي اقتنع فيه بأن حزب الله لن يتخلى عن عون ولو عارضه الرئيس نبيه بري بشدة، ولانه لم يعد ممكنا تحمل الخسائر المتراكمة عليه من جراء بقائه خارج السلطة، سياسيا وسنيا (وماليا) فانه اختار الانتقال الى ترشيح عون». لكن هذ الخيار لم يكن ممكنا من دون تغطية سعودية ما، او على الاقل غض نظر، بعد مباركة فرنسية، الامر الذي حصل عليه. لكن هل هذا يعني ان السعودية لم تخسر في لبنان، بدليل خطاب عون المتبدل تجاه السنة، وخطاب رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل تجاه الرئيس نبيه بري وحزب الله ووجوده في سوريا، وتفسيره للميثاق الجديد بين عون والحريري، وردّ بري عليه؟ وبدليل ايضا ان حزب الله وجد نفسه في مأزق قبول عون والحريري معا، ولو اغضب بري، بعدما حشره الحريري في الزاوية، وتاليا لم يعد قادراً بعد شبه الاجماع المسيحي وتأييد تيار المستقبل على تجاهل هذه المعطيات؟

ترتبط الاجوبة عن هذه الاسئلة بالايام الفاصلة عن جلسة الانتخاب وما سيجري فيها ومن يصوّت مع عون ومن يصوّت ضده. لكن الاهم ان مرحلة عون مرشحا تختلف كثيرا عن مرحلة عون رئيسا. واذا كانت مصادر سياسية سبق ان رأت ان انتخابه ليس نهاية المشكلات اللبنانية، لا بل قد يكون الخطوة الاولى في مسار العقبات الجديدة، فقد بدا واضحا في الساعات الاخيرة ان باب الصراعات الداخلية فتح مجددا وعلى اقنية ومسارب جديدة: الخلاف بين بري وعون، الذي سيكون تصعيديا (هناك من يسأل هل يمكن لبري ان يحضر الى قصر بعبدا كما كانت تجري العادة بوصفه رئيسا لمجلس النواب). الخلاف بين عون وفرنجيه. مصير التحالف المسيحي الذي اوصل عون رئيسا، ووضع القوات اللبنانية، التي لم يذكرها باسيل في خطابه الاخير على طريق بعبدا، في التركيبة الجديدة، علما انه لولا ترشيح الحريري لفرنجيه لما رشح جعجع عون، ولولا ترشيح جعجع لعون، لما رشحه الحريري، ولما وافق حزب الله تالياً على السير بمرشحه الاساسي برغم معارضة بري.

يضاف الى ذلك الخلاف بين بري وحزب الله، وتحويل بري «ميثاق عون والحريري» قميص عثمان يستهدف الشيعة مجددا بعد الطائف وانتهاء عهد المارونية السياسية والسنية السياسية. من دون ان يعني ذلك ان حزب الله، الذي لم ينس لعون تحديدا وقوفه الى جانبه في حرب تموز، ولم يتخل عنه لحظة واحدة برغم كل المحاولات التي جرت لاقناعه، ملتزم تفاهمات صاغها الثنائي الجديد، جبران باسيل – نادر الحريري. فنصرالله بحسب سياسي مطلع، ملتزم عون رئيسا، وهو يدرك ان عون يحمي له ظهره داخليا وهو لا يزال في سوريا، وهو لم يعترض في خطابيه الاخيرين عشية يوم الاحتفال بذكرى عاشوراء على تسمية الحريري، ولم يسمه تخفيفا للضغط السياسي ليس اكثر، لكن نصرالله ملتزم ايضا الثنائية التي تجمعه مع بري، ولن يسمح بتحول انتخاب عون، مناسبة لاي تشنج في الشارع الشيعي. ولن يسمح تبعا لذلك بزيادة منسوب «الفوز» السعودي في مرحلة ما بعد وصول عون الى بعبدا، ولا سيما ان ملامح بعض التفاهمات بين عون والمستقبل بدأت تظهر، ومنها ما يتعلق تحديدا بقانون الانتخاب وبقاء قانون الستين، وبمصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وليس فقط مقاربة وضع المؤسستين.

ثمة من يسأل تبعا لذلك، كيف يعود الحريري الى بيروت على رمال متحركة، لا على ارض صلبة، ما دامت التفاهمات حتى الان لم تحقق اجماعا حولها؟ وهل تكفي العودة الى التكليف مع الضبابية السائدة حول التأليف، لتبرر الاستدارة الحريرية، وتخليه عن بري الذي كان لا يزال يراهن على ان الحريري لن يتخطاه، واي نوع من الصفقات ابرم الحريري، حتى انقلب على مسار مشى عليه منذ عام 2005، بعدما انقلب بنفسه مع بري والنائب وليد جنبلاط على عون وسار في التحالف الرباعي؟