Site icon IMLebanon

هل تُصاب فرنسا بالعدوى اللبنانية من عدم التوازن السياسي أم تتجاوز قطوع نتائج الانتخابات؟

 

ماكرون يستغلُّ الألعاب الأولمبية لتأخير المواجهة واليسار يريد تسمية رئيس الحكومة قريباً

 

 

هل تتجاوز فرنسا قطوع أزمة سياسية نتيجة المفاجئة المدوية التي أحدثتها الانتخابات الأخيرة، أم انها ستصاب بالعدوى اللبنانية وتدخل في حالة من عدم التوازن السياسي ويسود البلاد الشلل وربما الفوضى؟ ما هو موجود الآن من معطيات لا يبشّر بالخير، ويوحي ان فرنسا مقبلة ما قابل الأيام على مشكلة سياسية ستكون عصيّة على الحل بسهولة، لكن من حسن الحظ ان الألعاب الأولمبية التي ستنطلق في فرنسا بعد ثلاثة أسابيع فرملت اندفاعة هذه الأزمة وأخّرتها الى أجل معيّن، ولا سيما ان الرئيس ايمانويل ماكرون سارع الى استغلال هذا الحدث، الذي بدأ التحضير له منذ عدة أشهر وتعوّل عليه فرنسا انه سيحيي اقتصادها، الى الطلب من رئيس حكومته عدم الاستقالة الى ما بعد إنجاز الحدث الرياضي، مع العلم ان أحد الأحزاب اليسارية أكد انه بصدد الإعلان عن تسمية رئيس وزراء الأسبوع المقبل.

لا شك ان ما حصل في الدورة الثانية من الانتخابات النيابية في فرنسا لم يكن متوقعاً، وشكّلت هذه النتائج مفاجئة مدوية أرخت بظلالها على الداخل الفرنسي حيث نقلت فرنسا بين ليلة وضحاها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار بعد فوز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري في الانتخابات البرلمانية، ليتحوّل بذلك الى قوة مهيمنة في البرلمان، وهو ما أحبط مساعي مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني لتولّي اليمين المتطرف السلطة، ووضع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مهمة صعبة لناحية تشكيل الحكومة الجديدة.

 

فبعد فوز ابن مدينة طنجة، الزعيم اليساري الفرنسي جان لوك ميلانشون، وتصدّر تحالف اليسار الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، تنفّس العالم الصعداء، وتحديداً المهاجرين والمسلمين في فرنسا، الذين كانوا يتخوّفون من فوز رئيس التجمع الوطني اليميني جوردان بارديلا، ابن 28 عاماً، والذي ولد من أب لم يتزوّج وأمّ عزباء، وبارديلا بسبب عيشه حياة متناقضة مع أم فقيرة في أحياء تجمع العديد من المهاجرين وأب غني، كان خطابه السياسي يُركّز دائما انه سيعمل على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وعلى الاسلام السياسي، وهذا الخطاب كان النقطة الأساسية التي جمعت بينه وبين لوبان.

أما ميلانشون فهو لا يتبنّى خطابا معاديا للمهاجرين، بل يدعو إلى إدماجهم، ويؤكد أنه يجب معاملة المهاجرين مثل ما نحب أن يعاملوننا عندما نذهب إليهم، ويؤكد أيضا أهمية تسوية أوضاع من لا يحملون وثائق إقامة في فرنسا.

 

ليس هؤلاء فقط من تنفّس الصعداء بعد فوز ميلانشون، كذلك المدافعون عن المناخ فقد سبق لبارديلا أن دعا الحكومة الفرنسية إلى التخلّي عن الصفقة الخضراء وهاجم ما وصفه بالسياسات البيئية «العقابية» للاتحاد الأوروبي، فيما دعا التحالف اليساري إلى خطة مناخية تهدف إلى تحييد الكربون بحلول عام 2050، ويريد أن تصبح فرنسا قوة في مجال الطاقات المتجددة مثل الرياح البحرية والطاقة الكهرومائية.

وحدهم اليهود الذين امتعضوا من فوز ميلانشون، فحزب اليسار معروف عنه دعمه لحقوق الأقليات، والمناصر أيضا للقضية الفلسطينية، والآن أصبح القوة السياسية الأولى في البلاد، بعدما كانت فرنسا تسبح في الأفكار العنصرية والإقصائية منذ الانتخابات الأوروبية الأخيرة.

وعلى الفور دعا أفيغدور ليبرمان عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل، معتبراً ان انتصار حزب يساري راديكالي في فرنسا تصعيد كبير في معاداة إسرائيل والسامية، على حد قوله.

ومن ناحية انعكاس هذه النتائج على الداخل الفرنسي، فسيكون على ماكرون الاختيار بين العديد من الإمكانيات المتاحة.

أولا: التعايش مع حكومة يكوّنها اليسار، وهو ما سبق أن حدث في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، الذي كان يحكم مع الوزير الأول اليميني جاك شيراك، الذي سيصبح بعد ذلك رئيسا لفرنسا، وهذا السيناريو الأقرب.

السيناريو الثاني الممكن والصعب هو التحالف الحكومي، أما الصعوبة فمردّها أيديولوجي في المقام الأول، فقد تعامل تيار ماكرون مع حزب فرنسا الأبيّة كتعامله مع أقصى اليمين، بحيث أطلق عليهما اسم «التيارات المتطرفة»، وظهر هذا في البرلمان الفرنسي في النقاشات الخاصة بفلسطين مثلا، فقد كان التيار الماكروني في البداية يعلن دعمه الكامل لحكومة نتنياهو قبل التراجع قليلا، في حين كان اليسار يرى فيما يحدث في فلسطين إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا.

السيناريو الأخير هو تقديم ماكرون استقالته وإعلان انتخابات رئاسية، وهو سيناريو بعيد جدا لأن ماكرون نفسه نفى رغبته في ذلك تماماً.