IMLebanon

فرنسا «تعتنق» المسيحية مجدّداً؟

تركت حادثة ذبح الكاهن الفرنسي جاك هامل داخل الكنيسة أثراً كبيراً في نفوس الفرنسيين، نظراً إلى وحشية الجريمة، والرسالة الضمنيّة التي بُعثت من ورائها، وربما ذكّرت الشعب الفرنسي بأنّ هذا البلد مسيحيٌّ بعدما ذهب الى العلمنة الشاملة.

لم يكن لبنان في منأى عن كلّ أشكال الإرهاب والإضطهاد الذي أخذ صبغة دينية وطائفية وسياسية على مرّ التاريخ، لكنّ مسيحيّي لبنان يتمسّكون علناً بدينهم ويعملون على الحفاظ على دولتهم التي تضمّ الجميع، مسلمين ومسيحيين، رافضين كلّ أشكال الدويلات الطائفية والمذهبية، على رغم أنه كان في استطاعتهم تأسيس دولة مسيحية عام 1920 بدعم فرنسيّ، لكنهم فضّلوا وطناً قابلاً للحياة على دويلة لا أفق واضحاً لها.

يختلف الوضع بين لبنان في الشرق، وفرنسا في الغرب. فباريس تُعتبر المثال الأبرز للعلمنة العالمية التي إنطلقت بعد الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 وأتت كردّة فعل على تصرفات بعض رجال الدين وإستغلالهم السلطة في زمن كانت تعيش فرنسا وكلّ أوروبا عصرَ ظلام ديني.

الفرق بين جوهر الدين وتصرّفات بعض رجاله كبير جدّاً، فقد ذهبت فرنسا بعيداً في العلمنة، الى درجة أنها تخلّت عن مسيحيّتها، وهذا الأمر عبَّر عنه البابا فرنسيس عندما قال منذ مدّة: «لا أخفي عتبي على فرنسا، فهي الإبن الضال الذي تخلّى عن مسيحيّته».

وأمام هذا الواقع، وبعد تكرار الهجمات الإرهابية، وكان أبرزها ذبح الكاهن، عادت الموجة الدينية لتظهر مجدّداً في فرنسا، حيث نادى رجال الدين بعودة فرنسا الى جذورها ومسيحيّتها، مع العلم أنّ الواقع الشعبي يفرض نفسه لأنه ليس سهلاً على أجيال تربّت على العلمنة الشاملة أن تطبّق تعاليم دينية ربما باتت تعتبرها غريبة عنها وخارج تقاليد حياتها اليومية. فهل ستعود أجراس الكنائس لتقرع مجدّداً في فرنسا، هل ستمتلئ الكنائس بالمؤمنين؟ أسئلة كبيرة، وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عنها.

بين موارنة لبنان وفرنسا إرتباطٌ ثقافيٌّ ودينيّ وعلاقاتٌ تتخطّى كلّ الأطر الطائفية لتصل الى علاقات متينة بين البلدين. وفي سياق تعليقه على إمكان عودة فرنسا الى تطبيق التعاليم المسيحية مجدّداً، يؤكد راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون لـ«الجمهورية» أنّ الأعمال الإرهابية تكرّرت في فرنسا، ولبنان يشعر بالتضامن معها نظراً الى الروابط التاريخية والثقافية، لكن في اللحظات الصعبة تكون العودة الى المسيح والله هي الحلّ للتغلب على الصعوبات».

ويشدّد على «عمق الإيمان المسيحي الذي يجعل الشعب الفرنسي وأيّ شعب يصمد»، لافتاً الى أنّ «جريمة ذبح الكاهن مؤثرة، والمسيحيون الأوائل قدّموا شهداء نتيجة الإضطهاد، فكنيستنا لها شهداء قديسون أعطوا ثمارهم في الأرض».

من هنا يؤكّد عون أنّ «الكاهن هامل الذي ذُبح في كنيسته هو قربان يقدّم فداءً للمسيح، وبالتأكيد سيأتي بثمار، وربما تكون عودة الفرنسيين الى دينهم أبرزها».

لا تحتاج فرنسا الى موجة تبشيرية لأنّ شعبها في الأساس مسيحي، وفي هذا الإطار يشدّد عون على أنّ «الكهنة في فرنسا والفاتيكان يقومون بدورهم، وكلام البابا كان واضحاً، وتوعية الفرنسيين للعودة الى الله يدخل في صلب مهمتهم، لذلك الإيمان هو الدافع لصون الذات، على رغم أنّ هذا الأمر يحتاج وقتاً».

قد تكون فرنسا تدفع ثمن إستقبالها أعداداً كبيرة من المهاجرين، فيما لبنان يرزح تحت أثقال المهجّرين، وبالتالي فإنّ الإرتباط بين البلدين على رغم الفرق في الحجم والشكل والقوة، كبير جداً.

في تاريخ تطوّر الشعوب، تُرتكب أخطاءٌ عدّة، وفرنسا الدولة العلمانية تدفع ثمناً كبيراً ربما فداءً عن كلّ أوروبا التي تخلّت أصلاً عن مسيحيّتها، لكن في حسابات الدول، السياسة والاقتصاد هما الأساس، فيما يُترك الدين للشعوب التي تختار طريقها، وتلك الصبغة الدينية لا يمكن محوها، إذ إنّه وعلى رغم تطرّف فرنسا في العلمنة، لكنّ العالم ما زال يُعرّفها على أنها دولة مسيحيّة.