Site icon IMLebanon

فرنسا تحتضن الموارنة مجدَّداً!

يبدي القادة الموارنة السياسيون والروحيون في مجالسهم إرتياحاً لجهة أنّ ما يعانيه مسيحيّو الشرق لن يصل إلى لبنان. وهذه الطمأنينة ينقلها الفاتيكان أولاً وفرنسا والمجموعة الأوروبية ثانياً، لأنّ المسّ بمسيحيّي لبنان يشكّل استهدافاً مباشَراً لأوروبا.

لم يَسكر موارنة لبنان بهذا الكلام الجميل، لأنّ تجاربهم مع الأساطيل الغربية مريرة. فلم يمدّهم الغرب طيلة فترة الحرب الأهلية ببندقية واحدة، بل إنّ قسماً كبيراً منهم باع ممتلكاته للتسلح دفاعاً عن وجوده، بمساندة الرهبنة اللبنانية المارونية التي كانت في طليعة المقاومين وأمام الشباب على الجبهات لكي لا تسقط حصون المسيحيين، وقد تعرّضت لإنذارات من الفاتيكان نظراً لاتساع دورها في السياسة.

ويعدّد الموارنة الخيبات التي تعرّضوا لها من الغرب الذي لم يتحرّك وقتَ أُبعد القادة الموارنة عن الحكم منذ ما بعد «الطائف» الى عام 2005. كلّ هذه التراكمات جعلت المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً يفكّرون في توطيد العلاقات مع دول الشرق وأبرزهم السعودية وايران ومصر وسوريا لتعويض النقص الذي خلّفه غياب «الأمّ الحنون»، ولكي يعودوا الى الساحة كشركاء حقيقيّين، مع علمهم أنهم لن يكونوا الرقم 1 بالنسبة إلى هذه الدول.

لكنّ تطوّراً أساسياً حصل منذ أكثر من عام، دفع بأوروبا عموماً، وفرنسا خصوصاً، لإعادة حساباتها ومحاولة إحتضان المسيحيين مجدَّداً، وقاعدتهم الأساسية موارنة لبنان. وتشرح مصادر ديبلوماسيّة مطّلعة أنّ فرنسا ودول المجموعة الأوروبية رأت أنْ لا أملَ بعودتها الى الشرق بعدما إتّسعت حدّة النراع الأميركي- الروسي في المنطقة، قبل توجيه الضربة النفطية الى الدّب الروسي، لكنّ تراجع الروس وإنكفاءَ الأميركيين الديموقراطيين وعدم مبالاتهم بأحداث لبنان، ترَك للفرنسيين منفَذاً عبر بلد الأرز، فسارعت باريس الى إرسال موفدها الخاص جان فرنسوا جيرو الى إيران والسعودية ولبنان.

وعمل جيرو في زيارته الاخيرة على إعادة الرئاسة الى الواجهة، لكنّ الأهم أنه وإلى الاجتماعات التي عقدها مع أقطاب السياسة اللبنانية، التقى بعيداً من الإعلام رجال سياسة غير حزبيّين محسوبين على فرنسا، فتشجّعوا على العودة الى الاضواء مجدَّداً.

وتابعت فرنسا نشاطها المتجدّد تجاه الموارنة، فمن الدعم المتزايد للمؤسسات الثقافية والاجتماعية التي ترعاها والتي تنطق بالفرنكوفونية، الى توسّع نشاط الإرساليات في وقت يشهد البلد جموداً على الصعد كافة، الى الحفاوة الخاصة التي إستُقبل بها بطريرك الموارنة عند زيارته الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، خصوصاً أنّ عدداً من الشخصيات الفرنسية وأبرزها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي طلب مقابلته… كلّ هذه الخطوات تأتي في إطار تفعيل العلاقات وعودة الحرارة اليها.

وتأتي زيارة جيرو اليوم الى لبنان للدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية ومساعدة الموارنة، وإذا كان البعض يرى أنّها لخدمة لبنان وهي كذلك، فإننا لم نرَ الإندفاعة الفرنسية نفسها عندما تعرقل تأليف الحكومة الاخيرة. ولعلّ من أبرز الأسباب الدافعة لإعادة العلاقات مع الموارنة فقدانُ فرنسا حليفَها التاريخي، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانتقال الصراع الى بعده المذهبي السنّي- الشيعي.

لا تخفي فرنسا اهتمامها بالموارنة، وكلّ سياستها الشرق أوسطية كانت تتركّز سابقاً على لبنان، وهذا ما يظهر في مذكرات السياسيين الفرنسيين، فهي لم تستطع بناءَ علاقة مماثلة مثلاً مع مسيحيّي سوريا الذين يُعتبر هواهم عروبياً مشرقياً أكثر مما هو فرنكوفوني.

المبالغة في الآمال المعقودة على عودة فرنسا الى احتضان الموارنة في غير مكانه لأنّ الظروف تغيّرت، لكن في الوقت نفسه لا يجب الاستخفاف بهذه العودة، وعلى الزعماء الموارنة ملاقاتها والتطلّع الى فتح صفحة جديدة معها، لأنّ باريس دولة فاعلة ولها مصالحها السياسية.

وإذا كان الموارنة غير قادرين على نسج علاقات مع واشنطن فهذا لا يعني تخلّيهم عن باريس لأنّها أثبَتت أنّها ما زالت رقماً صعباً في السياسة الدولية، وظهر ذلك عبر المفاوضات النووية الايرانية وتشبّثها برأيها حيث دعمت مطالب الدول العربية وشاركتها الخوف من الإتفاق المحتمَل.

علاقات المسيحيين الجيّدة مع فرنسا لا تتناقض مع التطلّع إلى العمق العربي، لأنّ دور الموارنة الدائم هو قدرتهم على أن يكونوا صلة الوصل بين الشرق والغرب… وقدّ دقّت الساعة مجدّداً.