لم تحمل زيارة وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت الى بكركي أيَّ جديد على صعيد ملفّ رئاسة الجمهورية، على رغم الوعود باستمرار التحرّك لإيجاد حلّ، فيما ثبّتت هذه الزيارة التقليد الفرنسي- الماروني والعلاقات المميَّزة التي تصبّ في خدمة لبنان.
إستعدّت بكركي منذ الصباح الباكر لإستقبال الضيف الفرنسي الذي خصّها بزيارة لمناقشة المستجدّات. لم يشأ ايرولت أن يكرّر «فعلة» رئيس بلاده فرنسوا هولاند الذي استغيب الصرح البطريركي عن برنامج زيارته الأخير الى لبنان. يومها إستشاط الموارنة غضباً وسألوا: كيف لا يزور رئيسُ جمهورية «الأم الحنون» بكركي ويكسر العرف التاريخي الذي يُحتّم على الرئيس الفرنسي زيارة البطريركية المارونية؟
قد يكون هناك مَن نصَح رئيس الديبلوماسية الفرنسيّة بعدم تغييب بكركي عن زيارته، ففي المرة السابقة قصد بطريرك الموارنة قصر الصنوبر للقاء هولاند، لكن هذه المرّة، وعلى حدّ قول أحد المطارنة الذين شاركوا في استقبال إيرولت «مش ظابطة ما يجي ع بكركي، شو بدكن البطرك ينزل على قصر الصنوبر. بكركي مرجعية تتخطّى الزعامات».
لم يشأ الراعي تمريرَ هذه الزيارة من دون الغمز من قناة العلاقات التاريخية اللبنانية – الفرنسية، حيث يجب القراءة ما بين سطور الكلمة الترحيبية التي ألقاها أمام ضيفه الفرنسي، إذ قال: «أرحّب بكم في البطريركية المارونية، ونُعبّر لكم عن سعادتنا جميعاً بأن تكون فرنسا الممثلة بشخصكم قريبة منا في هذه الأوقات الدقيقة التي يمرّ بها بلد الأرز ومنطقة الشرق الأوسط.
ومن دون العودة بالذكرى الى القديس لويس الملك ولويس الرابع عشر المؤسسين المعظّمين لصداقتنا الممتدة منذ مئات السنين، فإنّ ذاكرة لبنان التاريخية تحفظ على الدوام المواقفَ الداعمة للجنرال ديغول وخلفائه».
قال الراعي كلمته بعدما جمع بطاركة الشرق للترحيب بإيرولت، إذ تعتبر بكركي أنّ المجموعة هي دائماً أقوى من الأفراد، «وليسمع المسؤولون الغربيّون كلاماً مسيحياً واحداً وحاسماً: نريد مساعدتنا في انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في الشرق، وعليكم وقف تهجير مسيحيّي الشرق، والقضاء على الإرهاب الذي يدمّر البشر والحجر والذي إمتدّ الى أوروبا والغرب أجمع».
ورقة العمل كانت حاضرة بقوّة في اللقاء الجانبي الذي جمَع ايرولت بالراعي في مكتب البطريرك، حيث اطّلع الراعي على اتصالات فرنسا مع السعودية وإيران، وإطمأن الى أنّ الحراك الفرنسي مستمرّ وأنّ نشاط باريس والاتصالات مع هاتين الدولتين لن تتوقّف، لكنّه في المقابل لم يسمع الكلام الذي يقول إنّ أزمة الرئاسة ستُحَلّ قريباً وهناك حلحلة إقليمية أو قرب صوغ أيّ إتفاق. والكلام نفسه الذي قاله ايرولت في العلن، عاد وسمعه في الإجتماع المغلق وهو: «على اللبنانيين الإتفاق على إنتخاب رئيس للجمهورية، وفرنسا ستساعدكم في إيجاد حلّ».
غابت الأسماء عن إجتماع الرجلين على رغم أنّ المرشحين حضروا، وطالب الراعي بتكثيف الإتصالات الفرنسية، «لربما تفرج أخيراً، ويُنتخب رئيس».
قال إيرولت كلاماً واضحاً من بكركي وفي إجتماعاته مع الراعي والبطاركة، فهو ركّز على الرئاسة وأهمية لبنان ودوره ورسالته، وأنّ «الطابة في ملعبكم، ويجب أن تفعلوا شيئاً، فاتفقوا على رئيس ونحن نسوّقه في الخارج، لكنّ العمل الأول والأخير يقع على عاتقكم».
من هنا، فإنّ دعوته الأساسية كانت لصوغ إتفاق لبناني شامل، ولم تُطرح فكرة عقد لقاء لصوغ إتفاق ماروني، لأنّه بات واضحاً لباريس أنّ الأزمة الرئاسية والسياسية هي سنّية- شيعيّة أولاً، من ثمّ بين السعودية وإيران، والمسيحيون يقعون ضحية هذا النزاع المذهبي كما كلّ المنطقة.
بعدما إنتهت خلوته مع الراعي، عقد ايرولت إجتماعاً موسّعاً مع بطاركة الشرق وممثليهم، وسمع كلاماً واضحاً، خصوصاً في ملفّ الإرهاب، حيث أكّد معظم الحاضرين أنّ الإرهاب يضرب المنطقة، ومسيحيّو العراق وسوريا وفلسطين قدّ هُجّروا من ارضهم، والخوف على مسيحيّي لبنان اذا إستمرّ الوضع على ما هو عليه.
وكرّر البطاركة مطالبتهم بضرورة سعي فرنسا «الأمّ الحنون» لانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنّ الدستور ينصّ على أنه ماروني مسيحي، «لكنّه يبدو أنّ الشركاء في الوطن يعرقلون انتخابه». ومن هذا المنطلق فقدّ حمّل البطاركة مسؤولية حماية مسيحيّي لبنان والشرق لإيرولت، لأنّ فرنسا هي الأقرب الى الموارنة ولبنان.