IMLebanon

فرنسا في لبنان عسكرياً وسلاح «الحزب» على الطاولة

كلّ تلك الحركة الناشطة دولياً وإقليمياً حول الملف السوري تؤكد أنّ ثمّة تفاهمات يتمّ التوافق عليها لتشكل مدخلاً الى صفقات سياسية واسعة تطاول، ليس فقط سوريا، بل كلّ منطقة «الهلال الشيعي».

الاشارات في هذا الاطار كثيرة منها:

– الاتصالات شبه اليومية بين زعماء هذه الدول وتبدو روسيا محوراً أساسياً لها.

– الاجتماعات المتلاحقة خارجياً التي دُعيت إيران اليها لتجلس الى الطاولة الى جانب السعودية للبحث في التسويات المطروحة حول سوريا.

– استمرار العمليات العسكرية في سوريا، ولو مع ظهور جرعة دعم لـ»داعش» و»النصرة» في ريف حلب ربما لهدف تليين بعض المواقف المطروحة.

– إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن وجود مؤشرات الى أنّ حرب اليمن على وشك الانتهاء.

– زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لموسكو ومن ثمّ استقباله وزير خارجية سلطنة عمان صاحبة دور فتح قنوات التواصل بين عواصم المنطقة.

– الإعلان عن بدء دور عسكري جديد للجيش الاميركي في العراق، ما يعني أنّ ثمّة ضرورة لإنضاج الواقع الميداني في العراق وتعديل موازين القوى لنقل العراق الى تسوية سياسية تزامناً مع التسوية السورية المطروحة، على أن تكون واشنطن هي الراعي المباشر في العراق في موازاة الرعاية الروسية المباشرة في سوريا.

– إقرار واشنطن بوجود جنود إيرانيين نظاميين في كلٍّ من العراق وسوريا، ما يعني ضمناً الموافقة على ذلك وبالتالي على حصة مباشرة لإيران في الحلول المطروحة الى جانب حصة حلفائها.

– الحركة التي تحاول فرنسا خلقها لشعورها بأنه يتمّ تجاوز دورها في الشرق الأوسط. وجاء «عشاء» باريس الثلثاء الماضي في هذا الإطار، أضف الى ذلك كثرة الزيارات الفرنسية للبنان في محاولة لتركيز المقعد الفرنسي في الشرق الأوسط والذي انتزعت «عاصفة السوخوي» جزءاً كبيراً منه.

وفي هذا الإطار كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة ومعنية أنّ باريس أبدت لواشنطن قلقها من تصفية النفوذ الفرنسي، خصوصاً في سوريا ولبنان، وأنها تريد استعادة زمام المبادرة من خلال الساحة اللبنانية.

وتردّد أنّ الإدارة الفرنسية تفكر بمواكبة الحضور العسكري الروسي في سوريا والأميركي في العراق بتعزيز حضورها العسكري في لبنان والذي يقتصر الآن على القوّة الفرنسية المنتشرة في الجنوب في إطار قوات «اليونيفيل».

وفيما لا تبدو الظروف الكاملة لهذا الانتشار واضحة بعد، ووفق أيّ صيغة، وفي أيّ موقع جغرافي بالتحديد، تبدو فرنسا مصِرّة على لعب دورها كاملاً في لبنان بالشراكة مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

وما يضاعف من القلق الفرنسي، إشراف روسيا على برنامج زمني يقضي بطرح الملف اللبناني على طاولة المفاوضات في جنيف لحظة إنجاز التقدّم المطلوب على المستوى السوري. ومن هذا المنظار تستمرّ باريس في سياستها القاضية بالتواصل المباشر مع حزب الله لإدراكها أهمية هذا الخط نظراً الى الحجم اللبناني والإقليمي الذي اكتسبه حزب الله من جراء مشاركته في الحرب السورية.

لكنّ للمسألة أبعاداً أخرى لمّح اليها رئيس المخابرات الفرنسية حين تحدّث عن «موت الشرق الأوسط الذي نعرفه»، وعن ملامح شرق أوسط جديد وعن أنظمة جديدة لهذه الدول تقوم على أساس تقاسم السلطة مع المحافظة على مناطق النفوذ داخل كلّ بلد.

وستنطلق واشنطن من هذا الواقع لطرح مسألة التسوية العربية – الإسرائيلية. وما شجعها على ذلك تطوّر العلاقة بين إسرائيل وبعض الدول العربية في الخليج خلال المرحلة الأخيرة. ولا شك في أنّ واشنطن تريد استغلال الواقع المحشور لجميع الأطراف في سوريا لإدخالها في تسوية نهائية مع إسرائيل انطلاقاً ممّا كانت المفاوضات وصلت اليه خلال وجود الرئيس الراحل حافظ الأسد على رأس السلطة.

ولبنان لن يكون بعيداً من هذه الطروحات. ومن هنا أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالنسبة الى العواصم الغربية. ويتردّد على نطاق دولي ضيق أنّ «عجن» المنطقة الجاري حالياً يشكّل فرصة ممتازة للدخول الى هذا الملف الشائك، وهنالك مَن يتحدّث عن تسوية تقضي بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وترسيم نهائي للحدود اللبنانية – الإسرائيلية في مقابل إيجاد حلّ لسلاح حزب الله يقضي بوضعه في عهدة الجيش اللبناني على أن يترافق ذلك مع إعادة تركيب السلطة في لبنان أو إعادة «عجنها» مجدّداً.

وحسب هذه «الهمسات» فإنّ تخلّي حزب الله عن سلاحه لمصلحة الدولة اللبنانية يستوجب منحه مواقع ضامنة له خصوصاً على مستوى القرارين السياسي والأمني داخلَ الدولة، وهو ما يعني في نهاية المطاف فتح ورشة داخلية كبرى عنوانها إعادة إنتاج ميثاق وطني جديد ودستور جديد وسلطة جديدة بما بات يُعرف بـ»المؤتمر التأسيسي».

ذلك أنّ إعطاء حزب الله «ضمانات» سياسية وأمنية ثابتة على مستوى الدولة اللبنانية لا بدّ من أن تقابلها صيغ داخلية جديدة تشكل بدورها ضمانات إدارية لمختلف الفئات الأخرى كمثل اعتماد اللامركزية الموسعة.

من هنا إصرار فرنسا على تفعيل خطوط تواصلها مع حزب الله. لكن مع وجود إصرار دولي على الدخول في هذه الورشة الهائلة من خلال وجود رئيس للجمهورية يتمّ انتخابه على أساس قدرته على التواصل مع الجميع وتأمينه مساحة للتلاقي والتحاور. رئيس لا يعترض عليه أحد ولديه من الخبرة السياسية ما يكفي لرعاية هذه الورشة.

وكان لافتاً في هذا الإطار خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عشية ذكرى عاشوراء. فللمرة الأولى منذ زمن بعيد يخصّص كلامه لمهاجمة الولايات المتحدة الاميركية في كلّ خطابه بعد أن كانت هجماته السابقة يختصرها بمحور واحد من محاور خطابه.

فهل لهذا الهجوم علاقة بما يجرى التحضير له في الكواليس الدولية؟ وهل يشكل موقفاً رافضاً مبكراً قبل الشروع في أيّ مسار جدّي في هذا الاتجاه؟

أيّاً يكن الجواب، فإنّ الحقيقة هي أنّ باب التسوية في سوريا سيفتح الطريق أمام مشاريع كثيرة وشرق أوسط مختلف.