اذا كان خيار الحرب الاهلية ساقط بحكم ان القوي، اي حزب الله لن ينجر اليه، فان معالجة الازمات السياسية والاقتصادية والشعبية باتت تقع تحت خيارين لا ثالث لهما: اما تشكيل حكومة «تكنو- سياسية» برئاسة الحريري او من يمثله، او تشكيل حكومة «مواجهة».
لم يعد الحريري وفقا لمصادر قيادية في ٨ اذار يملك خيار اللعب بالوقت وتحريك الشارع وفقا لبورصة المشاورات الحكومية، فهذا الفريق ابلغ الفرنسيين ما مفاده: انقلوا للاميركي انه لا يمكنه الاستمرار في ابتزازنا حكوميا لما له من اثار سلبية على الوضع اللبناني السياسي والاقتصادي والامني والشعبي، وبالتالي فاما تسهيل امر تشكيل حكومة «تكنو-سياسية» ببيان وزاري واضح، او فلتواجهوا حكومة على قياس تمثيلنا في المجلس النيابي وهو ما يكفله لنا الدستور وكل القوانين الدولية.
وعلم في هذا السياق، من مراجع عليا ان هناك مشاورات تجري على اعلى المستويات بين لبنان وكل من فرنسا وروسيا لتأمين غطاء للحكومة المنتظرة اذا فشلت المساعي لتشكيل حكومة برئاسة الحريري او من يمثله.
هذا التصعيد في الاداء السياسي لقوى ٨ اذار مرده الى معلومات موثوقة حول عدم سماح واشنطن لا للحريري ولا لغيره بتشكيل حكومة تضم حزب الله لو مواربة، ورغم استحالة هذا الخيار فان الهدف منه مفهوم وواضح لجهة جر الحزب الى مواجهة داخلية لا تكترث واشنطن كثيرا ان ادت الى حرب اهلية او مواجهات متنقلة.
وهنا يبرز، وفقا لمعلومات مصادر قيادية مقربة من حزب الله، كلام رئيس الجمهورية والحزب لجهات دولية حول لاءات لا يمكن تجاوزها في تشكيل الحكومة الجديدة: لا لحكومة تكنوقراط خالصة، لا لحكومة مهما كان شكلها او تسميتها لا يتمثل فيها حزب الله، ولا لحكومة تتعهد مسبقا بترسيم الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة وفقا للشروط الاميركية او توافق سلفا على توطين الفلسطينيين والسوريين.
وفي السياق ذاته، كشفت المصادر انه بعد تكليف الوزير السابق محمد الصفدي، ارسلت واشنطن الى جهات لبنانية رسمية شروطا واضحة لتسهيل مهمة الرجل تركزت على ضرورة التزام كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعدم تدخل حزب الله في مسألة ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة او في ملف استخراج النفط والغاز اذا وافقنا اي واشنطن على تمثيل الحزب في الحكومة بشخصيات غير حزبية.
والمفارقة هنا ان واشنطن اشترطت على لبنان ايضا بشكل فاضح وعلني وفقا للمصادر ذاتها عدم استخراج النفط الا بشروطها، اضافة الى عدم موافقتها على سماح لبنان لروسيا او ايران بالاستثمار في النفط اللبناني.
ولكن ما كان لافتا، هو تاكيد هذه القوى بشكل صريح ومباشر لكل الوسطاء الدوليين بان اي تنازل في الملف الحكومي لم يعد ممكنا بعد موافقتها على السير بحكومة تكنو-قراط مطعمة بسياسيين.
وفي هذا الصدد، كشفت المصادر ان ٨ اذار تصر على ان يتمثل كل فريق بوزير سياسي في الحكومة المقبلة الى جانب وزراء التكنوقراط وممثلي الحراك، وهذا يشكل اضافة الى اللاءات السابقة الهيكلية العامة للحكومة المنتظرة. ورغم صعوبة الازمة واستفحالها، يبدو ان قوى ٨ اذار وضعت نفسها في صورة الاسوأ، وبدأت بالتحضير لسيناريو ما بعد احتمال فشل اخر المفاوضات مع الحريري والتي بدأت منذ يومين وستتكثف خلال ٤٨ ساعة المقبلة بوساطة دولية ترعاها فرنسا بشكل غير مباشر، حيث تشدد المصادر على انه بعد استنفاد كل الحلول فان الامور سوف تكون مفتوحة على كل الاحتمالات.
طبعا، لا تسقط المصادر من الحسبان ان استمرار حكومة الرئيس الحريري في تصريف الاعمال قد يكون «اهون الشرين» اذا استبعدنا خيار حكومة «المواجهة»، وهنا تشير معلومات مهمة جدا الى ان فرنسا طلبت من حزب الله عدم الذهاب الى خيار حكومة المواجهة، مبدية تفهمها لاستمرار حكومة تصريف الاعمال بانتظار التوصل الى حلول تحفظ حق الجميع.
ولكن السؤال اليوم: هل يتحمل لبنان هذه المراوحة القاتلة في ظل الانهيار الشامل الاقتصادي والسياسي والشعبي، ومن يستطيع اعطاء الضمانات الدولية اللازمة لانتشالنا من الازمة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان المبعوث الفرنسي الى لبنان خلال الاسبوع الماضي وفقا لتاكيد المصادر لم يتكلم جديا في الملف الحكومي، واكد ان بلاده لن تتدخل حاليا لحل الازمة انما تكتفي بضبط ايقاع الشارع وبعض القوى السياسية ريثما ينجلي المشهد السياسي في اكثر من مكان لا سيما على خط العلاقة الايرانية – السعودية – الاميركية؟