في قراءة سريعة لمجريات اليوم الحكومي الطويل الذي بدأ في بعبدا يوم الاثنين ، وانتهى الى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، والذي استكمل امس في استشارات التشكيل التي حصلت في مجلس النواب، فإن مصادر ديبلوماسية تحدّثت بارتياح عن نتيجة الإستشارات النيابية، معتبرة أن السرعة التي طبعت عملية التكليف، من حيث تحديد الموعد وإنجاز الإستشارات، وصولاً الى المباشرة في مشاورات التأليف، تعكس مناخات تدفع نحو إعطاء الزخم للرئيس المكلّف في تنفيذ المهمة المنوطة به، على الرغم من احتمال مواجهة العديد من الألغام والأفخاخ التي تواجه أي رئيس حكومة في هذه الظروف الصعبة، بحيث أن التفاهمات السياسية لا تبدو سهلة نتيجة الخلافات والتجاذبات التي تدور على وقع دخول كل القوى السياسية من دون استثناء، في مدار الإستعداد للإنتخابات النيابية التي من المفترض أن تشرف عليها حكومة الرئيس ميقاتي، إذا نجحت في تأليفها في وقت قريب.
وبرأي المصادر الديبلوماسية نفسها، فإن «اللغم» الأكبر والأكثر خطورة الذي تواجهه مهمة ميقاتي، هو موقف الشارع، والذي لا يبدو مساعداً في تأمين الدعم الذي يتحدّث عنه ميقاتي شخصياً، وإن كان قد عبّر صراحة عن ضمانات خارجية لديه كان قد حصل عليها قبل إقدامه على خطوة القبول بمهمة تشكيل الحكومة في زمن الإنهيار الذي تواجهه المؤسّسات نتيجة الأزمات المتراكمة على أكثر من مستوى.
وتقول المصادر الديبلوماسية ذاتها، أن هذه الضمانات فرنسية أولاً، خصوصاً وأن باريس دأبت على اعتبار عملية تأليف الحكومة شرطاً أساسياً لإطلاق دينامية دعم لمساعدة لبنان على كل المستويات، وبالتالي، فإن انتظام عمل المؤسّسات اللبنانية، والتي ستتولّى إدارة المرحلة المقبلة بكل تفاصيلها، لا يتحقّق إلا من خلال حكومة جديدة، وليس من خلال تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ولهذه الأسباب، فإن إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تواكب كل الجهود المبذولة في بيروت، من أجل توظيف فرصة تكليف الرئيس ميقاتي لكي يتم وقف الإنهيار المالي المقبل، وإحداث صدمة إيجابية على كل المستويات الإقتصادية والمالية والإجتماعية، تؤدي إلى حصول تحوّل كبير في المناخ العام، وتخفّف من معاناة اللبنانيين، وتقطع الطريق على الفوضى التي قد تحصل في الشارع بنتيجة غياب الدواء والكهرباء والمحروقات والخدمات على أنواعها. وتتوقّع المصادر الديبلوماسية نفسها، أن الواقع السياسي لا يحمل على الكثير من التوقّعات الإيجابية، وذلك، بعد تصريحات بعض رؤساء الكتل النيابية الذين رفعوا السقف عالياً بالنسبة لما هو مطلوب من الحكومة العتيدة، ولذلك، فهي وجّهت نصيحة واضحة إلى جميع الجهات المعنية بآلية التأليف، مشدّدة على أن التوافق على ولادة سريعة للحكومة يحقّق مصلحة اللبنانيين، وليس مصلحة الأطراف الخارجية المعنية بالأزمة اللبنانية، وبالتالي، فإن الإنزلاق الى الحديث عن الحصص والضمانات والمقايضات، من شأنه أن يُحبط مهمة الرئيس المكلّف، وهو ما حذّر منه ميقاتي نفسه، الذي رفض المهاترات والمناكفات والإتهامات التي تحول دون أي تقدّم في تحقيق الهدف المنشود من تشكيل الحكومة الجديدة، والذي يتمحور حول الوقوف في وجه الإنهيار الزاحف.