يواجه العناد العبثي الذي تصر عليه إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باستمرارها في تبني ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، عقبات ليست سهلة، وستصبح مع مرور الوقت واستنفاد الأساليب الملتوية، أكثر صعوبة، بما يشبه الوصول إلى الطريق المسدود الذي يستلزم العودة إلى الوراء. عادت إدارة ماكرون بمجموعة مستشاريها البراغماتيين، خطوة قصيرة إلى الوراء، عندما اضطرت للإعلان عبر وزارة الخارجية، بأن فرنسا لا تتبنى ترشيح أي كان لرئاسة الجمهورية، لكن كان ذلك تعبيراً عن اعتراف بوجود عقبات حقيقية، من دون أن يعني التخلي عن المرشح الذي تعهدت فرنسا تسويقه، والذي ما زالت إلى اليوم على سعيها لترئيسه، على الرغم من كلّ العقبات الداخلية والخارجية، التي تواجه وصوله إلى بعبدا.
في المعطيات الحاسمة التي تسلط الضوء على الإرباك الفرنسي، الذي بدا بعد هذا التعثر أمام مفترق طريق، أنّ المسعى الفرنسي مع السعودية قد وصل إلى نهايته، وأنّ الرد السعودي كان أقرب إلى الرفض، وبطريقة لا شك في وضوحها، طبعاً لمن يريد أن يتلمس الوضوح. ردت السعودية على كل المسار الفرنسي الضاغط الهادف إلى تبني ترشيح فرنجية، بالقول للفرنسيين، إنّه باستطاعتهم انتخاب فرنجية، وأن ّالسعودية غير مسؤولة عن تليين موقف أي طرف لبناني، أو الضغط عليه. في الترجمة العملية، أوصلت المملكة إلى فرنسا رسالة واضحة، أنّ عليها أن تُقلع شوك ترشيح فرنجية بيدها، وأن لا تنتظر منها أية مساعدة. لأول مرة تتشابه التكتيكات السعودية، مع تلك التي تتبعها إيران، التي تصنع من «حزب الله» مركزاً وهمياً للقرار، بما يختص بالملف اللبناني، ولو كلّفها ذلك بعضاً من هيبتها وصدقيتها، إذ لن يبتلع أحد لا في الخارج ولا في الداخل هذا الطعم المزيف، لأنّ قرار طهران يسري على الفروع والأصول، ولا يترك للأذرع أن تقرر سياسات المركز. في النموذج السعودي، لا تملك المملكة أي حافز لخوض معركة انتخاب فرنجية، لا بل على العكس، تخيم فوق هذا المرشح سحابة كثيفة من الشكوك، الناتجة عن تجربة ميشال عون في بعبدا. على ما يبدو لم تفلح الضمانات الفرنسية المكتوبة، بأن تزرع بعض الحماس في صناعة القرار السعودي، للحث على تجريب صفقة ملغومة من المصدر، أي من «حزب الله» الذي هندسها وأرسلها الى مجموعة مستشاري الإليزيه، كي تدمغ بدمغة فرنسية، تحجب عنها صفة استنساخ تجربة 2016 المؤذية.
من اليوم وإلى أسابيع قادمة، قد تنتهي نهاية شهر أيار، يكون العناد الفرنسي العبثي قد وصل إلى مداه الأخير، ويكون مرشح «حزب الله» قد فقد صفة الغطاء الفرنسي، بعدما عجز عن نيل أي غطاء عربي أو دولي، ويكون فصل من البزنس الذي اعتمدته إدارة ماكرون كوسيلة، لتحقيق مكاسب مع إيران، على حساب العلاقة اللبنانية الفرنسية التاريخية، قد طوي إلى غير رجعة، ولن يبقى في سجل هذه العلاقة، إلا وصمة واضحة، لم يسبق أن غامر أي رئيس فرنسي بتحمل مسؤولية ارتكابها.