Site icon IMLebanon

زيارة لودريان… إختراق أم فشل جديد؟

 

 

يقول الفرنسيون «إنّ الضرورة باتت تستوجب أن يعجّل اللبنانيون في التوافق فيما بينهم على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وثمة فرصة تاريخيّة مُتاحة حالياً لإتمام هذا الإستحقاق».

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا هذه الحماسة الفرنسية المتجددة تجاه الملف الرئاسي في لبنان في هذا التوقيت بالذات الذي تنشغل فيه كل حواس العالم بحرب الدمار الشامل والابادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة؟

 

قد يقال إنّ هذه الحماسة صاغتها عاطفة فرنسا السياسية تجاه لبنان، وعمق علاقتها وروابطها التاريخية به… هذا ممكن، لكن هذا الموقف تقليدي، والفرنسيون يؤكدون على ذلك في كل مناسبة.

 

وقد يقال أيضاً إنّ هذا الحماسة منطلقة من فرضيّة «أنّ المنطقة تتغيّر، والحرب التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة ستفرض وقائع جديدة أو واقعا جديدا في المنطقة، ما أوجَب على فرنسا أن تُسارع الى تأكيد متجدّد لدورها وحضورها في لبنان بمفاعيل آنية ولاحقة». وهذا ممكن أيضا.

 

يقول الفرنسيون إن لبنان في دائرة الخطر، فالجنوب في حالة حرب. وما يثير قلقهم هو أنّ خيار شنّ حرب اسرائيلية على لبنان قائم لدى المستويات السياسية والعسكرية الاسرئيلية، ففي بداية الحرب على غزة، ارتفعت أصوات في اسرائيل تدعو إلى شنّ حرب على جبهتين في آن معاً: جبهة غزة وجبهة الشمال (مع لبنان)، لكنّ فرنسا وجّهت رسائل تحذير الى الاسرائيليين، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت ثقلها لردع توجّه اسرائيل الى توسيع الصراع نحو لبنان، وفرضت حصر الحرب في غزة وعدم تمدّدها الى ساحات أخرى. ذلك أن فتح جبهة الشمال ضد «حزب الله» تترتّب عليها مخاطر اندلاع حرب اقليمية لا يمكن حصر امتداداتها ومخاطرها وارتداداتها. ولكن مع ذلك، اشتعال هذه الحرب احتمال ما زال قائما، ولا يجب ان يستبعد.

الحرب على غزة في هدنة تنتهي غداً، وتمديدها رهن بنجاح ما يُحكى عن مساع قطرية ومصرية، والرئيس الاميركي جو بايدن اشار قبل نهاية الاسبوع الماضي الى «فرص حقيقية لتمديد الهدنة بين اسرائيل وحركة «حماس»، ولكن رغم ذلك لا احد يملك أن يحدد متى ستنتهي هذه الحرب ويتوقف اطلاق النار، فإسرائيل توعّدت بجولة تدميرية جديدة بعد نفاد الهدنة. إلّا أن الثابت لدى الفرنسيين هو أنّ متغيرات ستحصل في المنطقة، وثمة امور تعني لبنان ستطرح على الطاولة، وثمة حلول سترسم، سواء اكان لبنان حاضرا على هذه الطاولة أو لم يكن، وموضوع القرار 1701 سيفتح في وقت قريب. يقول الفرنسيون: «امام هذه التطورات نريد أن نرى لبنان على الطاولة ممثلا برئيس للجمهورية، لئلا تصل الامور الى حلول تخصّ لبنان في غيابه».

 

المسلّم به، أن الحرب الاسرائيلية على غزة، التي اصابت لبنان بالتهاب حاد في خاصرته الجنوبية، أدخلت المنطقة، ومن ضمنها لبنان، في مرحلة غير مسبوقة في خطورتها، وتتراكم فيها الاحتمالات المجهولة من كل الاتجاهات. وثمة مَن افترض أن هذه الصورة الملبّدة حفّزت قصر الإيليزيه على المبادرة الى خطوة بدت وكأنّها استباقية لتداعيات الحرب القائمة، فقرّر أن يوفد جان ايف لودريان في مهمة جديدة إلى بيروت اعتبارا من يوم الاربعاء.

أول ما يتبادر الى الذهن، مع الاعلان عن مجىء لودريان، هو أن مهمته جديدة – قديمة، ثمة تجارب كثيرة معه في لبنان، وبرغم الحديث الذي كان يسبقها او يواكبها، عن جديته وخبرته وحنكته وقدرته على تدوير الزوايا وتفكيك العقد وتجاوز المطبات وتقريب وجهات النظر، كانت كلّ تلك التجارب فاشلة، وفي نهاية كل تجربة كان يُلملم ملفاته ويقفل عائداً الى بلاده خالي الوفاض. وآخر تلك التجارب كانت في ايلول الماضي.

 

السؤال الذي يطرح نفسه مع التجربة الجديدة: ماذا يحمل الموفد الرئاسي الفرنسي معه؟

لا أحد يعلم!

وهل سيتمكن هذه المرة من أن يحرّك الملف الرئاسي نحو الحسم الايجابي بانتخاب رئيس للجمهورية؟

لا أحد يعلم أيضا!

وهل ستكون مهمة لودريان الجديدة محكومة بفشل جديد؟

 

ثمة من السياسيين من يرجّح ذلك، ويدعمون هذا الترجيح بأنّ زيارة لودريان هذه المرة ليست على قدر الإهتمام، حتى لا نقول خارج دائرة الاهتمام على النحو الذي كانت تُحاط به زياراته السابقة.

يقول الفرنسيون إن الحاجة باتت أكثر من ملحّة لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، ولم يعد جائزا أن يبقى هذا الامر عالقا بين الحسابات السياسية التي تعطله، كما تعطل امورا أخرى في لبنان. ولودريان آت الى لبنان ليقدّم المساعدة للبنانيين في إنضاج حلّ رئاسي يعجّل في انتخاب رئيس للجمهورية ويمهّد لإعادة انتظام الحياة السياسية فيه، وتشكيل حكومة تضعه على سكة الخروج من ازماته بالعلاجات الانقاذية والاصلاحية الواحب اتخاذها».

 

مثل هذا الكلام كان يتردّد بحرفيته قبل كل زيارة للودريان الى بيروت، ويكرره الموفد الفرنسي نفسه سرا وعلنا في لقاءاته الاستطلاعية مع المكونات السياسية!

 

احد كبار المسؤولين عبّر عن دهشة بالغة عندنا نما إليه أنّ الموفد الفرنسي آت الى بيروت وقال: «لم نكن في جوّ حصولها على الاطلاق، ما الذي تبدّل؟ لا اعرف. هل هذه الزيارة منسّقة مع الأميركيين؟ لا أعرف. وهل هو آت باسم اللجنة الخماسية، فهذه اللجنة «فَرطت والله يرحمها»، ودولها مشغولة الآن بالحرب في غزة. والأهم من كل ذلك هل ان هذه الزيارة منسّقة مع القطريين؟ ايضاً لا اعرف. ما يدفعني الى الاستغراب هو أن الموفد القطري الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني يستكمل مساعيه ويعمل على بلورة شيء ما، وكان في بيروت الاسبوع الماضي وأجرى محادثات بعيدة عن الاعلام مع العديد من الاطراف حول الملف الرئاسي وغادرَ يوم الجمعة… فشو عَدا ما بَدا.. ولماذا هذه الزيارة الآن؟ ما عندي جواب.

 

في مطلق الأحوال، يقول المسؤول عينه، تبقى المسؤولية الاولى والاخيرة على اللبنانيين، ولكن كما نرى فإنّ جدار التناقضات الداخلية غير قابل للاختراق، ولا إرادة حقيقية حتى الآن لدى اصحاب الشروط التعطيلية بانتخاب رئيس للجمهورية. نحن نريد أن نأكل العنب، ومن هنا فإن كلّ جهد يساعد على انهاء الازمة الرئاسية مرحّب به، فالزيارة بحدّ ذاتها جيدة، وتوقيتها جيد ايضا وخصوصا اننا دخلنا في دائرة الخطر الكبير، بالتالي تحريك الملف الرئاسي صار اكثر من مُلحّ «لأنّو صار لازم نخلص».

 

وينتهي المسؤول المذكور الى خلاصة طريفة، فيقول: ما أتمنّاه هو أن يكون لودريان حاملا معه جديدا، لا أن تكون زيارته هذه كزياراته السابقة لا تقدم ولا تؤخّر، ولا أن يكرّر نفسه باستطلاع مواقف بلا افكار جديدة. فلقد سبق له، من موقعه كموفد رئاسي باسم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وتالياً كموفد باسم اللجنة الخماسية، أن استطلعَ، واستمع وناقش وحاور الجميع، ووجّه اسئلة وتلقّى اجابات عليها. يعني ان صورة المشهد الرئاسي كاملة لديه. خلاصة الكلام، اذا كانت الزيارة بلا طروحات وافكار جديدة وجديّة، أخشى أن نغنّي في آخرها «تعا ولا تجي»، بالإذن من السيدة فيروز».