اما وقد اجتاز لبنان “قطوع” خلافة قائد الجيش العماد جوزف عون، فان الاهتمامات الداخلية توزعت على محورين اساسيين: الاول عودة بعد ارجاء لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى بيروت، ، ثانيا وارتباطا بذلك القرار 1701، مع ارتفاع منسوب السخونة على الجبهة الجنوبية، مع ظهور بوادر اختلاف في طبيعة المواجهات الحدودية، مع تصعيد الحزب من وتيرة عملياته العسكرية، مقابل توسيع “اسرائيل” لبقعة الرد وحجمه.
فالزيارة الفرنسية الديبلوماسية المرجأة تمت، ولو ان الارجاء لا يحمل جديدا من شأنه تغيير المعادلة المتحكمة بالوضع اللبناني سياسيا وأمنيا، ذلك ان مَن تجتمع اليهم كولونا في بيروت لا يملكون مفتاح الحل والربط، لا سيما في موضوعي تطبيق القرار 1701 والانتخابات الرئاسية، فهو إن وعد بتنفيذ الاول يأتي التنفيذ شكليا، في حين لم “يتزحزح” أي من الاطراف لفك أسر الاستحقاق الثاني منتظرين امر عمليات ما.
وسط هذا الوضع عاد الحديث عن الدور الفرنسي، خصوصا بعد اللغط الذي اثاره تأجيل وزيرة الخارجية الفرنسية زيارتها الى بيروت، بحجة تعطل طائراتها وهي “لا تقلي عجة”، كان فرنسا قائمة على طائرة واحدة، حيث تؤكد مصادر ديبلوماسية ان مسألة تأجيل الزيارة جاء نتيجة اكثر من عامل ارتبطت بالسياسة اكثر منها بالعوامل الفنية، ابرزها:
– تبلغ باريس رسائل غير ايجابية من اطراف سياسية في بيروت، جاءت على سلسلة مواقف اتخذها الايليزيه، وتماهت الى حد كبير مع المواقف الاميركية، وادت الى تراجع فرنسا خطوات الى الوراء، بعد فتحها خطوط عريضة للتواصل طوال السنتين الاخيرتين وتقديمها ضمانات، وصلت حد اعتبار اطراف الخماسي باريس الناطق الرسمي لحارة حريك، عند تبنيها ترشيح سليمان فرنجية وتسويقها له بالعصا والجزرة، وهو ما تغير بعد الزيارة الاخيرة للودريان.
– تبني باريس لقرار التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، وليس تأجيل التسريح حتى علنا، عندما اعلن ذلك الموفد الرئاسي الفرنسي جهارا دون خجل، ما اعتبر تحديا فاضحا، خصوصا ان اي طرح او تفاوض لم يجر مع الضاحية او حلفائها حول الملف بقرار اميركي، خصوصا بعد التصعيد والاتهامات التي شهدها والتي تخطت المعقول، فكان قرار واشنطن بالهجوم وهو ما حصل فعلا.
– وصول معلومات عن ان باريس باشرت اتصالات منسقة مع الخارج وخصوصا الفاتيكان وواشنطن، بهدف اطلاق دينامية سياسية جديدة تقود الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ترتكز على التوازنات الداخلية الجديدة، التي افرزتها معركة بقاء العماد جوزاف عون في اليرزة من جهة، ومعطيات سير المعركة في غزة وتسييل انجازاتها العسكرية في السياسة، والتي ستكون حتما لغير مصلحة محور حماس بقرار عربي ودولي، اولى مؤشراته عودة الرئيس السيسي الى السلطة.
– عودة فرنسا الى تأدية دور الوكيل في مسألة القرار 1701، بعدما قادت اكثر من مرة معارك تعديل قواعد اشتباكه في مجلس الامن، وهو ما خلق الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة الدور الفرنسي، حيث تؤكد مصادر ديبلوماسية ان اي تسوية سياسية في غزة، لا بد ان تفرض نفسها على الوضع القائم في لبنان جنوبا، فالقواعد السابقة لم تعد صالحة اليوم.
وعليه تشير اوساط سياسية الى ان الزيارة الفرنسية هذه المرة مختلفة كليا عن سابقاتها، وهي تدشن لمرحلة جديدة من العلاقة بين قوى الامر الواقع وباريس، سمتها الاساسية التوتر، خصوصا ان الحديث عن “قوات طوارئ رهينة” جنوبا، والذي وصل الى اروقة الامم المتحدة وعواصم القرار اثار حفيظة دول العالم و “نقزتهم”، وتتابع الاوساط بان الوزيرة اعادت التأكيد على المواقف المعلنة السابقة، وخصوصا القرار 1701، وسمعت الاجابات الرسمية اللبنانية نفسها.