منذ الحرب الاسرائيلية تبدلت العلاقة بين «حزب الله» والفرنسيين. لم تعد فرنسا تلك الدولة المحايدة القادرة على لعب دور الوسيط في انتخابات الرئاسة كما في غيرها من الملفات. شكلت حرب غزة وتعاطي الفرنسيين مع اعتداءات اسرائيل منعطفاً، ما استدعى توضيحات متكررة من الفرنسيين تجاه «حزب الله». مراسيل عدة نشطت على الخط بين الطرفين بهدف ازالة البرودة التي باتت تعتري العلاقة. بعد الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية واستهداف المسؤول الفلسطيني صالح العاروري ورفاقه كانت فرنسا من بين من سارعوا إلى توضيح الأمر ومحاولة تحييد «حزب الله» والتأكيد أنّ القصد لم يكن استهداف الضاحية برمزيتها ولكن كانت المقاومة الفلسطينية هي المستهدفة. سمع الفرنسيون جواباً واضحاً وصريحاً بأنّ القرار قد اتخذ بالرد، والأمر كما أوضح الأمين العام السيد حسن نصر الله أمس متروك للميدان جازماً بأنّه من المستحيل أن يمر الاعتداء على الضاحية بلا رد يتناسب مع حجمه لأنّ ذلك يدخل ضمن معادلة حماية الضاحية ومن فيها سواء كانوا لبنانيين أو فلسطينيين أو ايرانيين.
وفي جولته لم يوفر السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو فرصة لتوضيح موقف بلاده ازاء القرار1701، حيث الإنطباع السائد أنّ فرنسا تبنت وجهة نظر اسرائيل ونشطت على خط تنفيذه لتأمين عودة السكان إلى مستوطناتهم على الحدود الشمالية والعمل على منطقة منزوعة السلاح بعد تراجع «حزب الله» إلى شمالي الليطاني. اصراره على تنفيذ هذا القرار من جهة واحدة لم يجعله يتردد بالتهديد علانية بسحب عناصره من قوات الطوارئ وكانت المفاجأة في جواب «الحزب» إن إردتم الانسحاب فليكن، رافضاً عملية الضغط بالمطلق.
ونتيجة اللبس الذي ساد، ينشط السفير الفرنسي منذ فترة على خط توضيح موقف بلاده من «حزب الله» والتركيز على المساعي الديبلوماسية لتجنيب لبنان حرباً اسرائيلية، يقول إنها لو وقعت ستكون قاسية وخارج قدرة لبنان على تحملها. منذ خطابه قبل الأخير وحتى يوم أمس، أبدت فرنسا اهتماماً برصد مواقف الأمين العام لـ»حزب الله» وخلفياتها. سأل سفيرها عن اللحظة التي يعتبرها «حزب الله» مؤشراً لبدء حربه ضد اسرائيل أو يرد عليها بشكل موسع وطالما أنّ جبهة الجنوب مشتعلة فما الذي يمكن أن يضيفه إليها على سبيل الرد. بكل جهدها تحاول فرنسا وقف جبهة الجنوب والسعي إلى منع تمددها والنأي بلبنان عن الحرب الاسرائيلية على غزة وقد نقل سفيرها رسالة عبر وسطاء بهذا الشأن إلى «حزب الله»، وقال إن اسرائيل جادة في الحرب على لبنان لكن لـ»حزب الله» قراءته المغايرة واستعداده لصد أي عدوان وهو أبلغ رسائل لإسرائيل بالمقابل أنّ أي عدوان سيقابل برد قاس.
يعتبر «حزب الله» أنّ تغييراً طرأ على علاقته بالفرنسيين منذ خطاب الرئيس ايمانويل ماكرون عن الجماعات الارهابية شاملاً فيه «حزب الله»، ثم موقفه العلني بدعم اسرائيل ضد الفلسطينيين، لكن هناك حاجة مشتركة بين الطرفين تجعل علاقتهما ثابتة ومستمرة. ففرنسا هي الدولة الوحيدة الغربية التي تفاوض «حزب الله»، ورئيسها استقبل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية وهي تدرك أنّ مفتاح بحث أي ملف في لبنان بيد «حزب الله»، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بجبهة الجنوب والقرار 1701. بالمقابل يرى «حزب الله» مصلحة له باستمرار علاقته مع الفرنسيين، وخلال زيارة رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار ايمييه الأخيرة إلى لبنان كان الحوار صريحاً بينهما بشأن تطبيق القرار 1701 الذي تريد فرنسا تنفيذه من خلال الجيش واليونيفيل وليس من خلال تعديل مندرجاته ليكون تحت الفصل السابع، فكان رد «الحزب» واضحاً أن لا حديث بهذا الشأن ما لم تنته حرب غزة.
فرنسا التي نأت بنفسها عن حرب اسرائيل على غزة لعلمها أنّ الدور الأبرز هو للاعب الأميركي، وقطعت علاقتها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو بدليل اتصال ماكرون الأخير مع عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، لإيصال رسالة بتحييد لبنان عن أي تصعيد مرتقب، تحاول أن تلعب دوراً بلجم الحرب في لبنان وثني «حزب الله» عن خوضها لكنها تلقت وغيرها من الساعين من سفراء الغرب جواباً واضحاً بأن لا تطمينات ولا تراجع عن الرد على استهداف الضاحية وأنّ أي حل مرتقب أو حديث عن انسحاب لن يكون قبل انتهاء حرب غزة. لكن الجواب حملهم إلى سؤال لم يجدوا جواباً عليه بعد وهو: أين ومتى سيكون الرد؟ وما حجمه وطبيعته؟