الاهتمام الفرنسي بلبنان قائم. لم تفتر هِمّة الفرنسيين تجاه البلد العزيز، ولا تراجع عطف ايمانويل ماكرون. إنها مسألة موروثة، فلبنان كان دائماً يحتل مكانة خاصة في السياسة الخارجية الفرنسية، كرّستها الادارات والرئاسات الفرنسية منذ الاستقلال وعلى امتداد السنوات اللاحقة.
لكن الاهتمام ما كان يجد ترجمته بسهولة. ليس بسبب تعدد آراء الأفرقاء اللبنانيين وتناحرهم فقط، وإنما بسبب تنوع المهتمين بالشأن اللبناني وامتداداته الإقليمية. تحركت فرنسا في لبنان إثر اندلاع حرب 1975 فكان أن نظمت الولايات المتحدة إدخال الجيش السوري وترسيم حدود علاقاته بالتوغل الإسرائيلي من الجنوب، وحضرت في كل المحطات التالية، وصولاً إلى اهتمامها بالعماد ميشال عون، لكن أميركا اختارت دعم النظام السوري للإطاحة بالجنرال لأسباب تتعلق بمصالحها الإقليمية الأوسع.
كانت فرنسا دائماً العون الاقتصادي والمالي للبنان. نظّمت مؤتمرات باريس المالية المتتالية جاذبة إليها قوى دولية وعربية، لكن في المحطات السياسية الحاسمة كانت النتائج تنتظر التدخل الأميركي. اليوم أيضاً تتمدد مرحلة الانتظار ترقباً لما سيفعل الأميركيون. لم ينجح الفرنسيون رغم اندفاعتهم القوية بعد تفجير بيروت في زحزحة من يقابلهم جان- إيف لودريان قيد أنملة عن مواقفهم. قبل رئاسة الجمهورية طرحوا مشروعاً حكومياً لم ينجح. قدّموا مبادرات حول شكل الحكومة ومهام الإصلاح فلم يلتزم بها أصحاب القرار وعندما طُرحت مشكلة الفراغ الرئاسي انخرطوا في رؤية اصطدمت بجدران مسدودة.
يدري لودريان بكل هذه الأمور، وهو حرص على القول في تصريحه المبتسر أنّه جاء ليسمع، ونحن وهو نعرف أنّ الاستماع في لبنان لا يحتاج إلى وشوشة، فكل شيء يُقال بالصوت العالي.
يعد لودريان أنه سيعود ربما في تموز. ربما يبقى أو يعود، وسيعود حكماً. إنّه يمدد مهلة الانتظار حتى نضوج شيء أكبر من لبنان. ربما يكون ذلك في التفاهم الإيراني الأميركي الموضوع على نار حامية. هذه المرة، كما يقول محللون ايرانيون، لم يعد النووي سوى جزءٍ من التفاهم، فالبنود الأهم هي العقوبات وقضايا الإقليم من لبنان إلى اليمن إلى سوريا والعراق وصولاً إلى دورٍ إيراني في تهدئة الضفة!
قد يحتاج لودريان إلى استراحة للتفكير لنرى معه ما يجري طبخه بين الدوحة ومسقط على مستوى العلاقات الأميركية – الايرانية، وعندها يمكن لفرنسا ان يكون لها دور في قصّ شريط تدشين العهد الرئاسي الجديد.