Site icon IMLebanon

فرنسا منقسمة ومتغيرة ومحكومة بخيار رديء

فرنسا تذهب غدا الى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهي منقسمة، ومتغيرة، ومحكومة بخيار رديء. والعادة التقليدية هي أن يصوّت الناخبون في الجولة الأولى بالقلب وفي الثانية بالعقل. الانقسام ظهر عميقا في الجولة الأولى، حيث نال مرشحو اليمين المتطرّف الثلاثة ٢٧%، ومرشحو اليسار المتطرّف الثلاثة ٢٣%، أي نصف الناخبين مقابل النصف الآخر الذي ناله مرشحو اليمين واليسار والوسط. والتغيّر كرّس سابقة في الجمهورية الخامسة عبر اخراج مرشح اليمين الديغولي ومرشح اليسار الاشتراكي للمرة الأولى من السباق الرئاسي في جولته الثانية. والخيار، كما يراه ٧ من كل ١٠ ناخبين حسب استطلاع للرأي، هو بين الطاعون والكوليرا: زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن، والشاب الآتي من خارج اليمين واليسار مؤسس حركة الى الأمام الصغيرة الناشئة والوسطية ايمانويل ماكرون.

وكما في أميركا كذلك في فرنسا: ديمقراطية في محنة، وانحدار في مستوى السياسيين والأفكار السياسية. أميركا القوة العظمى والجامعات الأولى والتكنولوجيا والاقتصاد الأول ومراكز الدراسات انتهت الى الخيار بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، فاختارت الأقل خبرة والأكثر كذبا بينهما. وفرنسا التاريخ والثقافة والسوربون والمعهد العالي للادارة وأرض المنشأ لليسار واليمين، وصلت الى الخيار بين مرشحين دون مستوى التحديات التي تواجه البلد وأوروبا. وطبعا دون مستوى الرئاسة في الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول، وفصّل دستورها على قياسه، ونظّم اللعبة السياسية بحيث يبقى التنافس دائما بين مرشحين يميني ويساري، وكان آخر رؤسائها المحترمين فرنسوا ميتران.

ذلك ان ما كان صراعا تاريخيا بين اليمين واليسار في فرنسا انتهى مع ساركوزي ثم هولاند الى شبه إفلاس ليمين الوسط ويسار الوسط، ومحو الحدود بين سياساتهما الاقتصادية. إذ في فرنسا حاليا ٧ ملايين عاطل عن العمل و٩ ملايين فقير. والصراع في المعركة الرئاسية هو بين الانفتاح الكوني والانعزال القومي حسب دومينيك موابيزي. لوبن تريد خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي واليورو وتتهم ماكرون بأنه مرشح العولمة المتوحشة من سمتها مستشارة أوروبا المستشارة الألمانية انغيلا ميركل. وماكرون يتهم لوبن بأنها مرشحة التعصب القومي التي ستقود فرنسا الى حرب أهلية والاتحاد الأوروبي الى الكارثة.

وما يقرر نتائج المعركة هو التصويت الاحتجاجي أكثر من أي عامل آخر. الذين ينتخبون لوبن هم المتحمسون لها والمحتجون على ماكرون. والذين ينتخبون ماكرون هم الغاضبون من لوبن والخائفون من خطرها على فرنسا وأوروبا وخائبو الأمل من اليمين واليسار. والممتنعون عن التصويت رفضا للمرشحين معا، يشكلون كتلة كبيرة نخبوية وشعبية.

والامتحان الفعلي يبدأ بعد الانتخابات.