تواصل الديبلوماسية الفرنسية جهودها لحجز موقع في ادارة الملف اللبناني بأزماته المعلقة، لا سيما منها محاولة الإمساك بخيط يوصل الى إنهاء الشغور الرئاسي المستمر منذ سنة ونصف السنة، وفرض شراكتها في إدارة عملية ايصال هذا الاستحقاق الى نتائج ايجابية وسليمة.
لم يترك رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه جهة إلا وقصدها في زيارته الأخيرة الى لبنان، وبعدما افتتح معرض الكتاب الفرانكوفوني، عمد الى فتح كتاب العلاقات الفرنسية مع كل الفرقاء اللبنانيين بلا أي استثناء، محاولاً تكريس نهج يؤمل منه فرنسياً ان يفضي إلى وقائع يمكن ترجمتها في إنجاز توافقات لبنانية حول الملفات الاساسية.
وقد جاء في هذا الإطار طلب لارشيه اللقاء مع «حزب الله» ممثلاً برئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، والتي تؤكد المعلومات انه كان لقاء عادياً وليس ذا بعد استثنائي. واذا تمت مقاربة ما قاله لارشيه في كلامه مع رعد، تكون النتيجة ان فرنسا مهتمة جداً بلبنان وتريد بإصرار التوصل الى اجراء الانتخابات الرئاسية التي تعتبرها اولوية تتقدم على كل الاولويات الأخرى، وممراً لمعالجة كل التعقيدات المؤسسية القائمة راهناً.
تجزم المعلومات أن لارشيه أبقى كلامه مع «حزب الله» في الإطار العام، ولم يعرض مع الحزب أية أسماء كمرشحين للرئاسة يمكن وضعهم في التداول العملي بحثاً عن إمكانية التوافق حول أحدهم. ربما هناك رغبة فرنسية في الوصول الى هذه المرحلة، إلا أنه في هذه المرحلة تكتفي فرنسا باستطلاع موقف «حزب الله» في الشأن الرئاسي.
ما الذي تريده فرنسا من اندفاعها المستمر تجاه لبنان؟ تشير المعلومات الى ان فرنسا تريد تكريس انفتاحها على كل الفرقاء، باعتبار أن ذلك يشكل تمهيداً وممراً طبيعياً لبدء العمل لاحقاً على حل الملف الرئاسي. لذلك فإن النقطة المهمة من لقاء لارشيه مع رعد، هي أن الفرنسيين يحاولون الإيحاء للعالم أنهم الوحيدون المهتمون بالملف اللبنالني بكل ابعاده، وانهم في ظل انكفاء دول غربية أخرى عن التواصل مع «حزب الله»، هم قادرون على الكلام والتواصل مع كل الفرقاء، وتحديداً مع «حزب الله».
وما تلفت اليه المعلومات أنه ليست هناك نتائج عملية للقاء بين لارشيه ورعد، انما إسماع متبادل لوجهتي نظر الجانبين من الملفات المطروحة، مع إطلالة سريعة على التطورات الإقليمية التي لم تأخذ حيزاً ملحوظاً في المحادثات. لذلك جاء اللقاء استطلاعياً من الجانب الفرنسي، وهذا الاستطلاع حظي بإنصات من قبل «حزب الله» الذي شرح موقفه ووجهة نظره.
وتشير المعلومات إلى أن النائب محمد رعد عرض موقف «حزب الله» من القضايا التي أثارها لارشيه، اذ اكد رعد أن الحزب يريد انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، «استناداً الى مبدأ الشراكة الوطنية التي هي المطمئن لكل مكوّنات الطيف اللبناني حول مستقبل الوضع اللبناني بعيداً من الفرض والاستئثار، وهذا يعني القبول والتوافق على انتخاب المرشح الذي يحظى بالتمثيل الأوسع في بيئته وواقعه، ونحن أعلنّا تأييدنا للمرشح الذي لديه حيثية كبيرة على المستوى الشعبي وفي البعد الوطني، ونحن نؤيد كل المساعي لإنجاز تسوية سياسية فيها مكان لكل القوى التمثيلية وتحفظ الواقع اللبناني ببعده التعددي وبصيغته الميثاقية».
اما النتيجة الأبرز لهذا اللقاء بين لارشيه ورعد هي أن اللقاء بحد ذاته مهم أكثر من النتائج التي صدرت عنه، مع العلم أن الجانب الفرنسي، ربما في خلفية انفتاحه يصوّب الى منتصف تشرين الثاني، حيث القمة المرتقبة الفرنسية ـ الإيرانية بين الرئيسين فرانسوا هولاند والشيخ حسن روحاني في الاليزيه.a