فجأة تحرك الركود السياسي الذي سيطر على الساحة اللبنانية، ليشهد زخما في التحركات والمواقف، من زيارات المسؤولين الاجانب الى بيروت وتقاطعها مع التصعيد الملحوظ الذي يطبع المواقف السياسية لحزب الله على خلفية الملف النووي وتطوراته الميدانية، فيما تشهد الساحة المسيحية صراعا مرشح للانفجار بين بكركي والرابية تمثل في اعتكاف رئيس تكتل الاصلاح والتغيير عن زيارة بكركي وتقديمه التهاني بمناسبة الاعياد بعد الاشارة الواضحة لاول مرة الى الجهة المعطلة بالاسم.
واذا كان موضوع تداعيات اتفاق لوزان النووي الطبق الاساسي على طاولة اللقاءات بين الوفود الاجنبية والقيادات الللبنانية التي تلتقيها، فان موضوع الفراغ الرئاسي لم يغب بدوره تقول مصادر متابعة، بعدما ربط اللبنانيون مصير بعبدا بما يرسم بين طهران وواشنطن، التي اوفدت مساعد وزير خارجيتها الى بيروت في مهمة استقصائية للوقوف على رأي المسؤولين اللبنانيّين ممّا يجري في المنطقة ووَضعهم في أجواء الثوابت الأميركية فيها، محملا بجدول اعمال معدل بعد ما حملته رياح لوزان معها، ذلك ان زيارته كانت مقررة قبل التوصل الى الاتفاق.
تحرك تقاطع في بعض اوجهه مع الحراك الايراني في المنطقة تضيف المصادر بدءا من زيارة موفد الرئيس روحاني الى لبنان وصولا الى زيارة وزير خارجيته الى مسقط واسلام اباد، والتي تندرج في اطار تسويق الاتفاق النووي تمهيدا للحل النهائي حزيران المقبل، رغم محاولة الاميركيين الفصل بين الملف الرئاسي ومآل المفاوضات النووية، بحسب ما اعلن بلينكلن صراحة، وتسريب معلومات عن عزم الموفد الرئاسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو استكشاف إمكانية معاودة حراكه بعد إنجاز الإتفاق في الملف النووي الإيراني.
إلا أن الأبرز في محطة بلينكن اللبنانية بحسب جهات في 14 اذار تابعت تفاصيل الزيارة تمثّل في:
– تحذيره المسؤولين اللبنانيين من اهتزازات أمنية قد تؤثر على الاستقرار في حال التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية، محذرا من هزّ «الستاتيكو» الحالي وإلا فإن لبنان سيدخل في المجهول.
– تأكيده انّ الإدارة الأميركية وحلفاؤها الغربيون لن يوفّروا وسيلة لتعزيز قدرات القوى العسكرية والأمنية، ما يؤدي الى ان تقوم بدور أكبر، في الفترة الدقيقة المقبلة.
– تركيزه في محادثاته على الجوانب السياسية للإتفاق النووي وتداعياته، حيث جزم بعدم وجود اي تفاهم مع طهران خارج الحدود النووية، وان لا نقاش حول اي من القضايا الاخرى العالقة، في ظل القرار الاميركي الواضح بالفصل بين الملفين النووي والسياسي، واضعا المسؤولين في أجواء الاتفاق مهدئا المخاوف من هذا الاتفاق وتأكيد التزامات واشنطن بحماية حلفائها في المنطقة، مؤكدا أنّ ما جرى لا يعني ابداً تسليماً اميركياً بهَيمنة إيرانية او إطلاق يدها في المنطقة العربية، ملمحا الى ان الكلمة الفصل ستبقى للتطورات الميدانية في مواقع الاشتباك الإقيلمية.
– المواقف الصريحة والتعابير الواضحة التي أطلقها عند حديثه عن الرئيس الاسد وتورّط حزب الله في الحرب السورية وتركيزه على ضرورة انسحاب الحزب من سوريا، والتي اعادت الامور الى ما قبل التصريح الشهير المثير للجدل لوزير الخارجية الاميركية.
– بحثه مع المعنيين مسألة تمويل تنظيم «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى في اطار العمل المشترك الذي تقوم به الدول لتجفيف مصادر التمويل وصولا للقضاء عليه.
– تلاقي الموقف الاميركي مع ما صدر عن الصرح البطريركي قبيل ساعات من الزيارة من تحميل البطريرك علناً فريقاً سياسياً مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية، رغم الاقرار الضمني بضعف موقف بكركي وتراجع نسبة تاثيرها في الملف الرئاسي نتيجة التشرذم والانقسام المسيحي القائم الذي ادى الى انكسار توازن القوى على الساحة الداخلية.
– تأكيده امام عدد من الشخصيات التي التقاها على استراتيجية واشنطن بالنأي عن التدخل في الازمة السياسية اللبنانية واصرارها على ضرورة ترك الاستحقاق الرئاسي لأهله وإسقاط اي تأثير آخر في هذا المجال، في إشارة واضحة الى الدور الايراني، تحديداً من خلال الضغط على حزب الله والعماد ميشال عون لحملهما على وقْف تعطيل النصاب القانوني لجلسات الانتخاب، مشيرا الى ان لا شيء يوحي بحل قريب لهذا الملف في ظل ربطه بالتطورات الخارجية، مشدداً على وجوب تغيير المقاربات الداخلية لا سيما لدى المعرقلين لان الاتفاق مع طهران محصور فقط بما هو نووي، بحسب مصادر مواكبة له.
– اشارته الى أهمية تعزيز قوى الاعتدال الاسلامي في مواجهة الهجمة التي تتعرض لها المنطقة من قبل اكتر من جهة، مؤكدا حرص إدارته على التوازن في المنطقة بدليل دعمها لـلعملية العسكرية في اليمن، وأنّ هذه الإدارة تعلم تمامًا أنّ هذا التوازن يحتاج إلى تحرك في الملف السوري.
رغم ان الزيارات الاميركية والايرانية لبيروت قد شكلت خرقا للمناخ الداخلي من زاوية وضع لبنان الرسمي امام آفاق اتفاق الاطار النووي بين ايران ودول الغرب وتداعياته المحتملة على المسار اللبناني، فانها لم تحجب مضاعفات التصعيد السياسي الذي خلفته مواقف امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله ازاء المملكة العربية السعودية، اذ لم تظهر بعد اي ملامح جدية لاحتوائه، في ما تستمر التساؤلات والاستقصاءات حول مضامين المحادثات البيروتية، والتي تكاد تفوق الإجابات التي يقدمها المسؤولون.