حركة الموفدين الدوليين.. تحاكي التسويات الأميركية
فرنسا تحاول التقاط أنفاسها.. في بعبدا
بكثير من التكتّم والحرص، يجهّز الرئيس نبيه بري «العيدية» للبنانيين. يعشق «أبو مصطفى» هذه الأدوار، لا سيما تلك التي تمنحه «قرصاً» في «عرس الوفاق» مع الخصوم. فيبرع في إخراجها. يفترض أن يضع الهدية أمام الرأي العام بين عيديّ الميلاد ورأس السنة: طاولة حوار ثنائية تجمع بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، وتفتح أبواباً بقيت موصودة لسنوات.
حتى الآن، يسلك المسار الحواري طريقاً سليماً، لا تشوبه شائبة ولا تعترضه أي معوقات، من دون أن يعني ذلك أنّه قادر على تحقيق المعجزات. يفترض أنّ يتمّ الاتفاق أولاً على جدول الأعمال وهو في طريقه إلى الصياغة النهائية، قبل الاتفاق على المواعيد التي ستجمع الفريقين.
في هذه الأثناء، تملأ الطبقة السياسية اللبنانية فراغاتها، بحراك موفدين ديبلوماسيين قرروا فجأة طرق أبواب «جمهورية الشغور»، لسؤال أصحاب الحل والربط عن آخر مستجدات استحقاقاتهم الدستورية والأمنية، وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية المعلّقة إلى آجال غير محددة.
حطّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف رحاله في بلاد الأرز ضمن جولة له في المنطقة، حيث التقى العديد من المسؤولين اللبنانيين، ليجول في أحاديثه بين شرق المنطقة وغربها، من دون أن يقدّم أي جديد قد يساهم في التقدم خطوة إلى الأمام.
استمع اليه مضيفوه بكثير من الانتباه والإنصات لما يحمله من «بلاد الصقيع»، لكنهم لم يلتقطوا منه أي إشارات استثنائية قد تُفهم في لغة «التسويات اللبنانية» على أنّها تطور نوعيّ في الرؤية الروسية للملف اللبناني، يمكن البناء عليه لتغيير الـ»ستاتيكو» القائم.
ما يهمّ الضيف الروسي، لا يميّزه عن غيره من رفاقه الديبلوماسيين الذين يقصدون «وطن الأرز»، وهو الحفاظ على الاستقرار اللبناني.. ولو كان هشّاً ومعرّضاً في أي لحظة لاهتزاز عابر أو ضخم.
إلا أنّ الآتي من قصر الإليزيه، الموفد جان فرنسوا جيرو، فيحمل في جيبه كلاماً أكثر، من سلفه الروسي. يتأبط هذا الأخير رغبة واضحة لإدارة بلاده بالغوص أكثر في مستنقع الرئاسة اللبنانية، وسعياً جدياً للعب دور محوريّ في هذا الشأن. وفق المطلعين على هذا المسار، فإنّ الضيف الفرنسي سيحاول جدياً إحداث اختراق في جدار الرئاسة اللبنانية، من خلال كشف أوراق مرشحين يتمتعون، من وجهة نظر فرنسا، بـ»قيمة تسووية مضافة» تخوّلهم أن يكونوا نقطة تقاطع بين الاصطفافين… لجسّ النبض من هذه الترشيحات.
لا يعوّل هؤلاء كثيراً على المسعى الفرنسي وامكانية بلوغه خواتيم سعيدة، وإن كان أصحابه يتسلّحون بالعزم والجديّة، إلا أنّ الحل والربط في مكان آخر. حتى لو قرر جيرو، ومن خلفه قصر الإليزيه، الإبحار في عمق الترشيحات الموصوفة على أنها توافقية، فإنّ الحواجز لا تزال قائمة وتحول دون وصول رئيس جديد إلى قصر بعبدا.
بتقدير هؤلاء، فإنّ حركة الموفدين الدولين إلى بيروت، لا ترتبط بأي تطور حاصل على الساحة المحلية، وإنّما بأحداث تحصل خلف الحدود. عملياً، تنتاب الشكوك عواصم القرار الدولي مما يحدث بين واشنطن وطهران. ما يتصدر وسائل الإعلام من عدم قدرة العاصمتين على تخطي حواجز الممانعة التي حالت دون إبرام اتفاق نووي الشهر الماضي وتأجيله إلى تموز المقبل، لا يرضي فضول بقية الدول المعنية بهذا الملف.
لا بل ثمة شكوك عميقة بأنّ ما بين «الشيطان الأكبر» وإحدى دول «محور الشرّ» يتخطى ما يتمّ بثه عبر الأثير الإعلامي، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى استبعاد عواصم كثيرة عن طبق التسويات الذي سيجمع، حالاً أو آجلاً، الخصمين اللدودين.
ولهذا تشتمّ موسكو، وفق بعض المتابعين، رائحة غريبة تخرج من موائد تجمع وشنطن وطهران بعيداً عن عيونهم. هكذا تفهم جولة بوغدانوف في المنطقة على أنّها رسالة مبطنة لمن يعنيه الأمر بأنّ الدب الروسي لم يغادر منطقة الشرق الأوسط ولم تلهِه مشاكل أوكرانيا وهبوط الروبل بسبب انخفاض سعر النفط عالمياً.
كذلك تحاول باريس التقاط أنفاسها في المنطقة لتحول دون إحراجها على يدي الحليف الأميركي البراغماتي إلى أقصى حدود، والذي قد يخرجها خالية الوفاض، في حال انتهت المشاورات بين البيت الأبيض و»ولاية الفقيه» إلى تقاسم خارطة النفوذ في المنطقة.