من غير المنطقي ألّا تلقى مبادرة فرنسا ومحاولتها الإمساك بكرة النار الرئاسية في لبنان التلقف الداخلي المطلوب وهي الدولة التي لها ما لها في تاريخ العلاقات والروابط العريقة والاستثنائية فعلا مع لبنان، ناهيك عن شغف لبناني ثقافي وعاطفي لم تقو عليه تقلبات الزمن. ومع ذلك نجدنا من اول طريق هذه المبادرة، التي يطوف بها “مورفي” فرنسا، على ما وصفته “النهار”، جان فرنسوا جيرو، منساقين الى اثارة نقاط شكوك يصعب تجاوزها في ظل القاعدة القائلة “ينفخ اللبن لأنه اكتوى بالحليب”.
لا شك في ان المبادرة الفرنسية لن تضيرها النتائج ايا تكن سلبية او ايجابية، في وقت تُدْبر الدول عنا وتتركنا في عراء الفراغ الرئاسي بعدما أمعن معطلو الانتخابات الرئاسية في تيئيس الداخل والخارج. ومع ذلك لا يمكننا تجاوز نقطة التعارض الاساسية التي تبرز في مهمة جيرو الذي ردّد لازمة ضرورة الاتفاق بين اللبنانيين من دون اي تدخل خارجي، في حين تربط كل المعطيات التي ترشح عن مهمته التحرك الفرنسي بما سمي مرونة ايرانية تقف وراء تشجيع باريس على المضي في هذا المسعى. معنى ذلك بوضوح ان ايران تتحكم بلعبة مزدوجة بل بسياسة الازدواجية نفسها التي ورثتها في لبنان او تحاول وراثتها وتطويرها ايضا من شقيقها النظام السوري الذي يدين في بقاياه وبقائه حتى الآن لطهران. تمسك بيد ورقة تعطيل الانتخابات الرئاسية عبر حلفائها المباشرين، ثم تلوح باليد الاخرى وفي توقيت ملتبس غداة التمديد للمفاوضات النووية بإمكان الإفراج عن الرهينة الرئاسية اللبنانية. وهو امر سيتعين على الجانب الفرنسي التنبه له اكثر مما قد تراءى له في اندفاعه الى تحقيق اختراق ديبلوماسي موصوف في الشرق الاوسط عبر البوابة اللبنانية، التي يعتقد انه لا يزال يملك فيها قدرات الاختراق.
بطبيعة الحال لا نملك من الآن التكهن بما اذا كانت “المرونة” الإيرانية المزعومة تحظى بصدقية كافية لتوقع نتائج متغيرة تفضي الى فك أسر ازمة الفراغ الرئاسي. ولكن وفي مطلق الأحوال ترانا امام جانب ايجابي حيال الربط المحكم لنجاح المبادرة الفرنسية او إخفاقها بالموقف الايراني، وهو الكشف السافر للازدواجية الإيرانية حيال الازمة اللبنانية ربطاً بصراعات ايران وأوراقها ونفوذها في المنطقة. كما ان الوجه الآخر لهذا البعد يتمدد الى حلفاء طهران اللبنانيين الذين استبدلوا عنوان بطاقة نفوذ النظام السوري ببطاقة النفوذ الايراني ولو لم يبدلوا في أنماط التعطيل تبديلاً .
ولن يعفي هذا الواقع فرنسا نفسها من محاذير السؤال عما بعد الإبحار في مبادرة تستند الى تكريس نفوذ ايران في لبنان، سواء أدى الى انتخاب رئيس للجمهورية ام لا. فهل ترانا مشكّكين فوق اللزوم؟