تعدّدت التحليلات والقراءات والتوصيفات لزيارة الرئيس الفرنسي الى بيروت والنتائج التي خرجت بها ومهما قيل عنها، يبقى أكيدها المؤشر لإهتمام دولي بلبنان في ظروف استثنائية مرشحة لأن تصبح صعبة ما لم يبتكر الحل قريبا. فهولاند الذي كان مستمعاً في معظم الوقت الى شروحات المسؤولين، سائلا عما يمكن ان تفعله بلاده للمساعدة، أسر الى مقربين منه عن تعجبه لمدى استهتار اللبنانيين لخطورة ما يجري جنوبا، والذي لا يقل أهمية عما هو حاصل على الجبهة الشرقية، خاصة في المخيمات، في ظل ما وصله من تقارير استخباراتية فرنسية، وما تبادله مع الرئيس الفلسطيني خلال القمة التي جمعتهما في باريس.
استنادا لهذا الواقع غير المطمئن، تؤكد مصادر متابعة ان محادثات الضيف الفرنسي ركزت على هذا الموضوع، الذي يحتل اولوية اوروبية في ظل تواجد اكثر من 8 آلاف جندي من دولها منتشرين جنوب الليطاني وفقا لمندرجات القرار 1701 ، حيث المخاوف الجدية من قطع طريق امدادها اللوجستي بين بيروت والناقورة نتيجة التوترات المتنقلة بين مخيمات الجنوب، وامكان استهداف هذه القوات بعمليات ارهابية،من جهة، وما قد ينتج عنه من تعريض شواطئ أوروبا لموجات نزوح اضافية من جهة أخرى، بعدما تمكنت مخابرات الجيش من ضبط اكثر من شبكة لتهريب البشر، يرجح ان من بينهم ارهابيون، كاشفة عن تنبيهه من لغم المخيمات الموقوت، داعيا الى ايلاء المعالجات بشأنها اهمية قصوى بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح، لتسهيل سيطرتها على الاوضاع داخلها.
تنطلق القراءة الفرنسية لوضع المخيمات،بحسب اوساط دبلوماسية، من الخشية من ان تعمد جهات اقليمية، قد تكون ارهابية او استخباراتية، الى استغلال الخاصرة الرخوة التي تشكلها المخيمات لتفجيرها من الداخل واشعال مواجهات مع محيطها، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، والمخاوف من أي تطورات مفاجئة قد تهزّ أمنها كمقدمة لضرب الاستقرار اللبناني، على ان تستخدمها ورقة في المرحلة المقبلة تواجه بها المخططات التي ترسم للمنطقة وتحسن من خلالها شروطها وموقعها في المشاريع التي تحاك لها.
في غضون ذلك لم تهدأ حركة الاتصالات اللبنانية – الفلسطينية، لحصر تداعيات حادثة اغتيال العقيد فتحي زيدان، مع استبعاد فرضية وقوف جهات اصولية وراء العملية، واتخاذ الملف منحا جديدا تمثل في التحقيقات التي يخضع لها امين سر حركة «فتح» وفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» في منطقة صيدا العميد ماهر شبايطة، من قبل الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني في ثكنة محمد زغيب، على الاستماع منه الى ما تضمنته كاميرات المراقبة وسواها من الاتصالات التي جرت مع العميد زيدان قبيل اغتياله حيث كان من المقرر ان يدخل الى عين الحلوة للمشاركة في اجتماع لـ «فتح».
وفيما وصل الى بيروت المشرف العام للحركة في لبنان اللواء عزام الاحمد، للقاء قادة الفصائل اضافة الى الرئيسين نبيه برّي وتمام سلام والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، في زيارة ذات ابعاد داخلية فلسطينية امنية وخدمات، مستبقا وصول زوجة محمد دحلان التي لم تعرف اسباب زيارتها حتى الساعة،وسط الحديث عن تعليمات صارمة لجماعات «اللينو» بعدم التصريح والادلاء باي مواقف، حاملا رسالة اطمئنان واضحة من السلطة الفلسطينية مفادها أن الفلسطينيين في لبنان على الحياد في القضايا السياسية اللبنانية، ولن يدفعوا ثمن تهجيرهم مرتين، داعيا الدولة اللبنانية لرعايتهم في ما خص موضوع الحوار بينهم وبين الاونروا.
واذا كانت صيدا وتخوم عين الحلوة شكلتا مسرح الخرق الامني الفلسطيني الاخير، فان الاوضاع في المخيمات الاخرى لا تبدو أقلّ خطورة، حيث يشهد مخيم الرشيدية جنوب صور توترا على خلفية وضع شخصين من «انصار الله» عبوة ناسفة لامين سر حركة فتح في لبنان رفعت شنّاعة، كما ان مخيمي المية ومية وشاتيلا يسجلان كل يوم حوادث أمنية متنقلة.
في الحسابات الامنية اللبنانية يفترض ان المخيمات الفلسطينية موضوعة تحت مجهر الاجهزة المعنية، اما وفقا للحسابات السياسية تتحدث الترجيحات عن تسارع التطورات في المخيمات في الأيام القليلة المقبلة في منحى سلبي، مقدمة العذر الذي ينتظره كثيرون لتأجيل الانتخابات البلدية المقرر ان تنطلق في 8 أيار المقبل. ولكن هل يستأهل تأجيل البلدية تفجير معارك قد تعرف بدايتها الا ان احدا لن يستطيع الجزم بنهايتها ونتائجها؟