فيما كانت الازمات اللبنانية تتلاحق وسط عجز حكومي واضح عن مجاراتها، او بالحد الادنى وقفها عند المستوى الذي بلغته ، وبعد حزمة الإجراءات الأميركية التي تضمّنها القانون الأميركي بشأن زيادة الضغوط ضد «حزب الله» حيث يفرض عقوبات ضد المصارف التي تتعامل مع «حزب الله»، فجرت المملكة العربية السعودية مفاجأتها بتجميد هبتها العسكرية والامنية، لتزيد من حدة المواقف السياسية الداخلية ،المستعرة على خلفية الملف الرئاسي.
وبينما كانت الحكومة اللبنانية مجتمعة لتدارك التصعيد المستجد، وسط ارباك سياسي لمختلف الأفرقاء، كان مجلس الوزراء السعودي يتبنى موقف المصدر المجهول، ضاغطا باتجاه استرجاع بيروت المواقف الدبلوماسية السليمة، والمتناغمة مع الموقف العربي العام، أو في الحد الأدنى الالتزام بسياسة النأي بالنفس، في العلن، فيما الاصل وبحسب مصادر متابعة يقوم على المجيء برئيس حيادي وحكومة وفاقية تلتزم الحياد، أو ترك لبنان يواجه أوضاعه الداخلية بما يقرره أطرافه وأطيافه، رغم المواقف اللبنانية «الايجابية»، المملكة تصر على موقفها، ودخول باريس على خط المعالجة، حرصا على الاستقرار الداخلي والمصالح الفرنسية العليا.
جلسة كانت سبقتها اتصالات بين بيت الوسط والرياض ، حاول خلالها «الشيخ العائد»، الحصول على اجوبة واضحة عن السقف المطلوب لمواكبة التصعيد، على حدّ قول المصادر، والقرارات المطلوب اتخاذها، بعد استقالة وزير العدل، دون ان يحصل على اجابات واضحة، بانتظار ان تتبلور الاجابات السعودية ، وهو ما انعكس «تصعيدا مدوزنا» في بيان الرابع عشر من آذار، وتاليا نقاشات وزرائها في الحكومة، وسط تسريبات عن استياء حريري كبير لجهة الخطوة وتوقيتها، وتأكيده أنه لو علم مسبقا لكان ارجأ عودته الى بيروت لمواكبة الموقف السعودي المستجد.
بلبلة سعودية زادت من طين انقسام المجتمعين في بيت الوسط بلبلة، نتيجة موقف القوات اللبنانية المتقدم تجاه التيار الوطني الحر، حيث رفض ممثلها وفور اطلاعه على مضمون مسودة البيان المعد، قبيل بدء الاجتماع، تحميل الوزير باسيل مسؤولية ما حصل منفردا، طالبا ذكر اسم رئيس الحكومة في حال ذكر اسم باسيل، باعتباره غطى موقف الاخير،رافضا إعادة طرح الموضوع في جلسة مجلس الوزراء حين بادر الوزيران باسيل وبو صعب الى طلب طرح الموضوع وأيدهما بطلبهما الوزير أشرف ريفي، ليكون المخرج عندها باعتماد عبارة «حزب الله وحلفاؤه»، بحسب مصادر شاركت في الاتصالات، متسائلة عن هدف القوات اللبنانية من محاولة «تغطيس» الرئيس سلام، الذي كان تفادى تلبية طلب الرئيس فؤاد السنيورة باصدار بيان ينفي حصول مشاورات معه قبل اتخاذ الموقف اللبناني في القمة، حفاظا منه على وحدة الحكومة وعدم افتعال مشكلة عشية عودة الرئيس الحريري، وتسهيلا لمهمته واتصالاته الرئاسية.
اما في مقلب الثامن من آذار فيبدو ان الصورة اكثر وضوحا اذ تشير أوساطها الى ان الوضع ممسوك،ولا خشية من انفجار داخلي، لان جميع الاطراف تدرك حدود اللعبة، في ظل دقّة المرحلة والإستمرار بسياسة ضبط النفس والوعي وعدم صبّ الزيت على النار، رغم استدراكها بان أسباب التفجير دائماً موجودة لكن الرهان يبقى على عدم استغلال الوضع، وهو ما بينته سرعة الحسم لإشتباكات السعديات.
من جهتها، أكدت مصادر التيار الوطني الحر، أن الحملة الداخلية على وزير الخارجية، في محاولة استفادة «سياسية رخيصة» للنيل من ترشيح العماد عون انما تزور حقيقة موقف الوزير باسيل الذي وازن فيه بين الحرص على الحفاظ على العلاقة مع المملكة، من جهة، والالتزام بالبيان الوزاري، والمصلحة اللبنانية العليا وتماسك النسيج الوطني اللبناني،بالتنسيق مع رئيس الحكومة، مشيرة الى ان باسيل استشف من المواقف الداخلية التي رافقت الاجتماعات الخارجية «نوايا خبيثة»، متسائلة إن صدق ان وزير الخارجية جبران باسيل تفرد في قراراته، فلماذا لم تتخذ الحكومة بأطيافها كافة، موقفا ناقض مواقفه أو على الأقل صوبها؟ ولماذا رفض طلبه باصدار بيان عن الحكومة يوضح موقف الديبلوماسية اللبنانية؟ واضعة تصويب الحريري على التيار في خانة «الحشد لجلسة الثاني من آذار» معتبرة انه «المتضرر الاول مما حصل توقيتا ومضمونا» ناصحة اياه بعدم الهروب الى الامام، ملمحة الى ان ما اطاح بالمكرمة هو السمسرات والشوائب التي سادتها.
وفيما وجدت اوساط قواتية في الربط بين الازمة مع المملكة وجلسة الثاني من آذار، تسخيفا لملف رئاسة الجمهورية، رجحت مصادر دبلوماسية متابعة ان يسرق التدبير السعودي الاهتمام من الرئاسة في الايام القليلة المقبلة، لافتة الى ان الاستحقاق دخل في حال مراوحة يصعب كسرها في المدى المنظور، خاصة في ظل الكباش الاقليمي المحموم على خلفية الازمة السورية، وما القرار السعودي بوقف مساعدات المملكة للجيش والقوى الامنية اللبنانية، سوى فصل جديد من فصول المواجهة بين الرياض وطهران والمقبلة على ما يبدو نحو تصعيد اضافي بعد أن قررت المملكة الانتقال من موقع الدفاع الى الهجوم، أكان عسكريا أو سياسيا أو دبلوماسيا، معتبرة أن ردة فعل «حزب الله» الذي عزا الموقف السعودي الى ضائقة مالية تواجهها المملكة، اضافة الى اشتراط الوزير محمد فنيش اعتذارا من السعودية عن إساءتها لحزب الله والمقاومة، للتفكير بتشكيل وفد وزاري لزيارة الرياض، مؤشرات واضحة الى سقف التوتر المرتفع في أشكال غير مسبوقة بين القطبين الاقليميين، مستبعدة ان يكون ما يجري مجرد رسائل سياسية الى بعض اهل الداخل يفترض بالمعنيين قراءتها والاخذ بها والعمل بمضمونها السياسي لا العسكري بعدما باتت الامور في لبنان كما في المنطقة متداخلة في ما بينها وغير واضحة المعالم والاتجاهات.
هكذا تتلاحق الزلازل، حكومة تترنح وتتهاوى، رئاسة جمهورية شاغرة، والوصول إلى جلسة الثاني من آذار، مثله مثل الوصول إلى أي جلسة سابقة.كل هذه التطورات، في وقت يغرق البلد في النفايات، من دون أن تلوح في الأفق أي معالجة بعدما سقطت كل المعالجات. والمحظور وقع، وانتقل الكباش السعودي- الايراني إلى الداخل اللبناني، كباش محوره الانتخابات الرئاسية التي ستستخدم فيها مختلف أنواع الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية، وستواجه بالتصلب في المواقف الرئاسية وبرفض تحويل لبنان، كما يقال، رهينة.المملكة واضحة المطالب، ولبنان الرسمي مطالب كذلك بالوضوح، هل هو في الفلك الايراني أم الفلك السعودي وتاليا العربي؟
فهل هي حملة سياسية محددة الأهداف والنتائج، أم أنها وليدة السجال الذي حصل بعد إيقاف المساعدات السعودية؟ الأهم، ما هي حدود التصعيد؟ من له مصلحة بهز الاستقرار السياسي والأمني؟ ومن يضمن عدم الانفلات الداخلي ونقل البلد نحو أزمة مفتوحة على كل صعيد؟
كل الاحتمالات واردة في زمن الذروة بالاشتباك الإقليمي.