اكثرية الفرنسيين الذين كانوا يحملون الى السلطة المرشحين المعتدلين، او الاشتراكيين المنفتحين على تشريع القوانين التي تقيّد تحرّكات السلطات الأمنية، التزاماً منهم بمبادئ الديموقراطية والحرّيات العامة وحقوق الانسان لن تبقى على حالها في اي انتخابات نيابية او بلدية مقبلة، بعد المجازر الرهيبة التي ارتكبها داعشيون فرنسيون، ولدوا في فرنسا ونشأوا فيها وعملوا في مؤسساتها العامة والخاصة، واستغلّوا القوانين الفرنسية التي تحمي تحركّاتهم، وتكفي الاشارة الى انه ممنوع على رجال الشرطة الفرنسية دهم اي بيت او مؤسسة او اي مكان عام او خاص من الساعة السادسة مساء حتى الساعة السادسة صباحاً، الاّ في حال حصول جريمة ما، عندها يصبح مسموحاً للقوى الأمنية التدخل، من هنا يمكن معرفة قدرة الارهابيين على التحرّك وانزال خسائر فادحة بالمواطنين الأبرياء وبرجال الشرطة ايضاً، لأنه من «غير المقبول» قانوناً توقيف اي شخص حتى ولو كان مشتبهاً به، قبل ان يقوم بعمل اجرامي.
ويعتبر مسؤولون فرنسيون ان دول العالم الثالث قادرة على محاربة الارهاب اكثر من الفرنسيين خصوصاً ومن الاوروبيين عموماً، لأن أجهزتها الأمنية مطلقة اليدين في التصرّف على عكس الاجهزة الفرنسية والاوروبية.
ويعلّق احدهم في حلقة ضيّقة على ما حصل في بلدة عمشيت منذ مدّة بالقول، مفيد جداً ما أقدمت عليه بلدية عمشيت في مجال مكافحة الارهاب، لكن فرنسا لا تستطيع ان تقلّدها نظراً للتعقيدات القانونية. ويكشف هؤلاء انه يتم تبادل معلومات امنية بين باريس ومختلف العواصم الاوروبية، تعكس مدى تخوّف هذه الدول من ان يكون تنظيم داعش قد أصبح داخل المؤسسات الحكومية، بحيث ان كل مسلم أصبح مشتبهاً به، لكن معالجة هذه الحالة صعبة للغاية وتلزم تشريعات جديدة مختلفة، ومن هذه المخاوف المشروعة بالنسبة اليهم، ان يتمكّن ضابط مسلم استطاع تنظيم داعش تجنيده، من اطلاق صاروخ باليستي على مدينة فرنسية او اوروبية، خصوصاً ان محاولة لتسميم خزان كبير للماء يقع في شارع فيكتور هوغو، قريب من مبنى السفارة اللبنانية، أفشلتها الكاميرات المتطورة جداً التي كشفت المحاولة عن طريق الشمّ واعطت انذاراً فورياً بقطع المياه عن الخزّان، وعند التحقيق تبيّن ان الفاعلين عطّلوا كاميرات المراقبة، وقد يكون بمساعدة من الداخل، ويعتقد هؤلاء ان وصول اشخاص قوميين متطرفين الى الحكم مثل ترامب في الولايات المتحدة الاميركية، ولوبين في فرنسا، من شأنه ان يساعد في مكافحة الارهاب لأنهم سيعدّلون كثيراً في القوانين بما يعطي حرية أوسع وأفعل في مواجهة الارهابيين.
* * * * *
في ما يتعلق بلبنان، لا يخفي المسؤولون الفرنسيون اياهم اعجابهم بالجيش اللبناني وبقوى الأمن الداخلي، وبصمود الشعب اللبناني في البلدات الحدودية وفي الداخل، ويعتبرون أنه في غياب رئيس للجمهورية وضعف سلطة الحكومة وعدم فاعلية مجلس النواب، فالتعويل يبقى على تعاون الشعب مع القوى المسلّحة في وجه الارهاب. خصوصاً ان الخلاف السعودي – الايراني سيبقي منصب رئاسة الجمهورية شاغراً، ويشير هؤلاء الى ان تعاون اللبنانيين مع جيشهم والمساهمة في حفظ أمن بلداتهم، يفوّتان على الارهابيين حرّية الحركة لاستكشاف المواقع التي ينوون استهدافها، ولذلك من المرجّح ان يكون الارهابيون الثمانية الذين دخلوا بلدة القاع، كانوا ينوون استهداف قرى شيعية اثناء الاحتفال بعيد الفطر، لكنهم اضاعوا طريقهم بسبب ضعف الاستكشاف وصعوبته، فافتدت بلدة القاع مناطق عديدة اخرى.
خزّان المعلومات من العاصمة الفرنسية لا ينضب، وسيكون لنا في مقال لاحق، وقفة تسليط الضوء على مواقف الدول الكبرى المنخرطة في الحرب السورية، والدول العربية والاقليمية المعنية، من جانب وجهة النظر الفرنسية التي اصبحت لاعباً اساسياً في الصراع ضد «داعش»، وقد تنغمس اكثر، مع كل عمل ارهابي ينفذه «داعش» في فرنسا، والسؤال الكبير الذي يتردد اليوم على ألسنة الفرنسيين، هل يتمكّن الارهاب من بلادهم، او يتم الانتصار عليه بوصول رجل الى الحكم من قامة الرئيس شارل ديغول؟!