IMLebanon

فرنسا تعيد تصويب «الايقاع» اللبناني

تتزاحم التطورات الامنية والسياسية المتسارعة على الساحة الداخلية في احتلال صدارة الواجهة، وسط «المعمعة» و«ضبابية» المواقف المعلنة التي وصلت الى حدود التضارب، حتى داخل الفريق الواحد في الرؤية حول الحراك الذي تشهده الساحة اللبنانية في توقيت غير بريء ، ليس اقل دلالة عليه، موقف الرئيس سعد الحريري من تلميحات وزير الداخلية بوقوف دولة قطر وراء «الربيع اللبناني» الموعود، خاصة بعد تدشين «الانتفاضة» مرحلة جديدة من عملها تمثل باقتحام وزارة البيئة، الموقع الاضعف في الصراع، المفتوح على عجز تام عن ايجاد الحلول التي تضع حدا للنزف المستمر لرصيد الحكومة السلامية المحكومة بالبقاء الى حين حل الازمة الرئاسية، كما عبر رئيسها على الاقل.

وتعتقد مصادر متابعة ان «ثورة الزبالة» بكل تداعياتها، تضرب جذورها في الصراع السعودي – الايراني، بامتداده الرئاسي اللبناني، حيث بينت الوقائع مرة جديدة مع فشل الجلسة 27 للانتخاب ان الامور مفتوحة على مزيد من التصعيد، مع المنحى الانحداري الذي بدأت تأخذه الاحداث في ضوء تنامي الحراك الشعبي الاحتجاجي الذي يهدد الكيان قبل السلطة، وهو ما دفع الى تحرك عواصم القرار في الكواليس الدولية لمواكبة ما يجري، خاصة بعد التأويلات والتسريبات عن دعم وتحريك من قبل الولايات المتحدة الاميركية للمحتجين بتمويل قطري، حيث تشير المصادر في هذا الخصوص، الى ان تحركا فرنسيا لافتاً سجل خلال الساعات الماضية في اروقة مجلس الامن، وصلت اصداؤه الى الفاتيكان، يضغط باتجاه «اعادة تصويب» مسار الامور على الساحة الداخلية اللبنانية، عبر اصدار بيان رئاسي واضح، شديد اللهجة، عن مجلس الامن، يعيد التأكيد على الاولويات التي يتقدمها الانتخابات الرئاسية، بعد فشل جهود الممثلة الشخصية للامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ الداخلية والخارجية من ضمنها زياراتها الى كل من السعودية وايران في تحقيق اي ايجابيات، تزامنا مع تحريك الشارع المشبوه، عشية الاجتماع المرتقب في نيويورك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بمن فيهم السعودي عادل الجبير ووزير خارجية ايران محمد جواد ظريف للبحث في اوضاع المنطقة عموما والازمة اليمنية وصيغة الحل المقترحة، بحيث يشكل مناسبة لتشاور ايراني – سعودي في الازمة اللبنانية، وسط اشارت الاوساط الدبلوماسية الى ما يدور في كواليس عُمان من اتصالات سعودية وايرانية ومفاوضات بين الجانبين يتردد انها تحرز تقدما وتشكل اساسا لبعض التحركات والمبادرات في الداخل، لعل ابرزها دعوة الرئيس نبيه بري للحوار الوطني.

فبعد الانتشار الافقي واطلاق الشعارات في الساحات وبعدما عكس منظمو حركة «طلعت ريحتكن» الانطباع بأن مكوناتها لم تتوصل الى خريطة طريق لتحركاتها ولم تعين قيادة او لجنة تنطق او تفاوض باسمها فاجأت الحركة الجميع تضيف المصادر بانتقالها الى العمل المباشر فكان احتلالها المفاجيء لوزراة البيئة واحتجازها الوزير محمد المشنوق في مكتبه مطالبة باستقالته، وسط تسارع الحركة الاعتراضية وسلوكها مسارا تصعيديا جديدا اسقطا الحوار الذي الذي دعا اليه الرئيبس نبيه بري الى الدرجة الثانية من الاهتمامات، حيث بات واضحا ان «احصنة طروادة» الداخلية والخارجية التي دخلت على خط تحركات «حملات المجتع المدني» و«هاشتاغاتها»، ظهر جليا قلق المصادر المتابعة من خطط المتظاهرين التي خرجت عما هو متوقع في بلد ديموقراطي فدخول المقار الرسمية هو بمثابة عملية احتلال، وما ترمز اليه وزارة البيئة لا يقل شأنا عن احتلال للسراي الحكومي او اي مركز اداري وحكومي آخر. وقالت ان «احتلال» وزارة البيئة خطوة لم تكن في الحسبان وغير جائز السكوت عما جرى، مع بروز دعوات تحريض طائفي ومذهبي، ما زالت مضبوطة داخل القمقم حتى الساعة، رغم اشارة المعنيين الى ان خطوة احتلال مبنى وزارة البيئة كان له هدفان هما، حث جميع وسائل الاعلام على مواكبة التحرك، والمشاركة في التغطية، اضافة الى دفع المزيد من المواطنين الى الانخراط في النشاطات الاعتراضية التي تطلقها الحملة، واشراكهم في التحرك.

واشارت المصادر التي شاركت في جزء من اتصالات يوم الثلاثاء الطويل، الى ان السراي تعامل بحكمة مع المتظاهرين، مادا لهم يد الحوار، مقدما التفاوض والتهدئة على اي خيار آخر، مشددة ان المعترضين في الشارع كما كل اللبنانيين يدركون جيدا ان استقالة وزير البيئة ليست مسألة شخصية بل هي مرتبطة بالكتلة السياسية التي ينتمي اليها من جهة، ولان لا آليات لقبولها وجعلها نافذة بغياب رئيس الجمهورية، ولا ضرورة لها، كون المشكلة في الاساس ليست لا في وزارة البيئة ولا عند الوزير، محذرة في هذا المجال من ان تكر سبحة الاستقالات إذا سمح لوزير البيئة بالإستقالة، في وقت تتمسك فيه كل القوى السياسية بالحكومة التي أصبح ملف إنتاجها وعملها في عهدة طاولة الحوار كبند مستقل بذاته، معتبرة ان الكلام النوعي لرئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون لم يأت من فراغ وانما خوفا من فراغ، كاشفة عن ضغوط باتجاه عقد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل على جدول اعمالها تقرير الوزير اكرم شهيب الذي سيتسلمه رئيس الحكومة الجمعة.

اختصر مبنى وزارة البيئة ازمات البلد وتفرعاتها،كما لفت دخول النائب ميشال عون شخصيا، على خط تصويب حراك المحتجين، بعد نوابه ووزرائه، متهما اياهم بأن هناك من يحركهم، وانهم يعملون على تحويل لبنان الى جهنم العرب. فما حصل في وزارة البيئة لم توافق عليه هيئة التنسيق النقابية ولم تتبناه أية جهة. هل بلغ حراك الشارع الاحتجاجي الذي انبثق من رحم ازمة النفايات وتناسل تدريجيا الى مطالب وشعارات بعيدة كل البعد عن جوهر الملف وصولا الى عناوين سياسية بلغت حد المطالبة بالاطاحة بالنظام برمته، ذروته بعدما فجر مفاجأة اقتحام وزارة البيئة؟

السؤال من يخطط ومن يوجه وإلى أين يتجه البلد؟فهل بلغ الحراك المدني الخط الأحمر؟ هل تجاوز الوضع خط سلامة البلد؟ هل ينجح الحوار السياسي في التاسع من هذا الشهر بدعوة من الرئيس بري في وضع خارطة طريق للعودة بالوضع الى ما قبل الخط الاحمر؟ هل يتفق الحواريون على انتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون للانتخابات النيابية وإجراء هذه الانتخابات؟ هل تعالج الازمات الخدماتية باستقالة وزير أو باستقالة الحكومة، ومن يملأ فراغ المؤسسات؟ هل يدفع المغرضون الحراك الشبابي الى مزيد من الخطوات وصولا الى الفوضى التي حذر منها العماد ميشال عون رغم دعوته للتظاهر يوم الجمعة؟