يمضي الوقت اللبناني في انتظار حدث ما يملأ فراغ الوقت الضائع والمقتطع من عمرنا ومن وقت المنطقة والمفاوضات السعوديّة ـ الإيرانيّة، وفي الإنتظار تكاد حرارة شهر آب تشوي اللبنانيين، كلّ عام يتحدّث خبراء المناخ والأرصاد أن صيف ذاك العام هو الأكثر حرارة منذ عقود ويهدّدونا بشتاء هو الأقسى منذ عقود أيضاً، والعالم يحترق ويغرق في نفس الوقت، حتى كاليفورنيا الأميركيّة آتيها إعصار هيلاري وهي ليست منطقة أعاصير، جنون المناخ والطّقس يجتاح العالم، وفي هذا الوقت ننتظر نحن أن تنصرف عنّا جمرة القيظ لقد ”استوينا” من السياسة أكثر من ارتفاع الحرارة وغلب على مزاج اللبنانيين حالة من الضجر والسأم العام من المشهد اليومي المملّ في البلد، لولا صيفنا الحافل بالمغتربين وعجقة السياحة والمطاعم والانقسام حول حفل عمرو دياب مع أنّه إنجاز في قلب المدينة الذي توقّف عن الخفقان منذ هجّر سيّاحها حصار حزب الله وإرهابه!
في هذا الوقت خيبة الأمل اللبنانيّة ليست محتاجة إلى التأكّد من نهاية “الطّحشة” الفرنسيّة على هذا الشّكل الهزيل والخطأ الأبله الذي ارتكبه جان إيف لودريّان بأسئلته السخيفة الموجهة إلى الفرقاء اللبنانيّين، في الواقع فرنسا تحصد الفشل في جميع أماكنها المهمّة من أفريقيا ومحاولة اللعب في الوقت الضائع اللبناني أغرقت إيمانويل ماكرون العاجز عن تحقيق إنجاز ما في ولايته الثانية، لم يكن اللبنانيّون يحتاجون إلى كلّ هذا الوقت منذ آب العام 2020 ليتأكّدوا أنّ الفرنسي لا دور له يذكر في لبنان، وأنّه عندما تضع أميركا يدها على المنطقة يتأرجح الأمر بين كوارث تتكرّر واضحة منذ العام 1958 و 1975 و1982 وأنها عندما ترفع يدها عن المنطقة وتقهقرت إلى داخلها دفعنا في لبنان أثماناً متتالية من حروب الشّوارع حتى الانتحار الكبير عامي 1989 و1990 الذي كان كافياً ليعرف اللبنانيّون أنّ الفرنسي لم يعد له مكان في لبنان وأنّ الاستثمار فيه مجرّد ورقة إنتخابيّة تدّعي حماية المسيحيين كذلك فعل الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان عام 1980 في حرب زحلة وكذلك فعل الرئيس فرنسوا ميتران في حماية الجنرال ميشال عون، وكذلك فعل الرئيس الراحل جاك شيراك وكذلك فعل ماكرون إلا أنّه بدا فاقعاً جداً في خضوعه لحزب الله وحصّته من كعكة الغاز والنّفط!
وسط هذا المظهر العام المثير للإحباط قد يُخطىء كثيرون في قراءة الحالة اللبنانية، لا يبدو أنّ المعنيّين بفرض هذا الواقع قد تعلّموا شيئاً يسيراً عن اللبنانيين، وهذا اليسير ببساطة يؤكّد أننا “شعب لا يغسل دماغه ولا يُدجّن”،بصرف النظر عن “الطبل والزّمر” الإعلامي،ربما هذا جزء من خصوصية طبيعية في شخصيّة الشعب اللبناني، عمليّاً ، لقد تمرّس اللبنانيون منذ أربعة عقود في حالات الهرب من الواقع السياسي وتجاهله وإدارة الظهر له، وحالة القرف هذه ـ وإن كنا من الذين سئموا وضجروا وقرفوا ـ لا تعني أبداً أنّ اللبنانيين مستسلمون لهذا الواقع الذي يُراد لهم أن يستسلموا له ، ولا يعني هذا أبداً أنهم “شالوا” من رؤوسهم قناعتهم النهائية بلبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً ، مهما حدّثونا عن لبنان الذّاهب إلى الفوضى الكبرى بفضل حزب الله وحلفائه وأخشى ما نخشاه أن تكون فوضى على طريقة 6 شباط الشهير، والعياذ بالله، وبرغم هذا اللبناني لا ييأس مهما اسودّت في عينيه الألوان ، يقع ويقوم ويظلّ كذلك إلى ما لا نهاية، فإنْ وقع فهذا ليس عيْباً، وهو ليس نعجة تُساق إلى الذّبح، وإذا قام فهو قادر على مفاجأة العالم!!