Site icon IMLebanon

فرنسا: قناة اتصال وتواصل في مواجهة محنة لبنان!

 

نقيب محرري الصحافة

 

 

تعود فرنسا إلى الإضطلاع بدور كبير في لبنان في هذه المرحلة العصيبة من تاريخه. وهي لم تتخل عن دورها لتعود إلى إحيائه، بل انكفأت لفترة بعدما لم تفلح في مساعيها التي تولاها جان ايف لودريان لتحقيق أمرين: انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووقف معركة إسناد غزة.

لم يوفّق لودريان في مهمّته نظراً للتباعد بين الأفرقاء السياسيين وتباين قراءاتهم للاستحقاق الرئاسي وما يريد كل طرف منه. كما أنّه كانت لـ«حزب الله» قراءته إلى الحرب الدائرة في جنوب فلسطين، واعتبار أنّ ما يقوم به هو تدبير استباقي أقرب إلى المعركة المحدودة منه إلى الحرب الواسعة. لم تقتنع باريس يومها بذريعة المقاومة، ولا الأخيرة اقتنعت بطروحات المبعوث الفرنسي. لكن باريس لم تقطع علاقاتها مع الحزب، ولا طوت صفحة التواصل معه، بل عززت هذا التواصل من خلال تكثيف المشاورات مع المسؤولين الكبار في الحزب، ولاسيما منهم مسؤول العلاقات الخارجية والدولية فيه النائب السابق عمار الموسوي. ويتردّد في الكواليس أنّ فرنسا بعثت بنصيحة معينة إلى الشيخ نعيم قاسم قبل إطلالته الأخيرة وتوجيهه رسالته التي كانت عناوينها المحلية محط اهتمام المراقبين، ومنها الالتزام باتفاق الطائف، وانتخاب رئيس للجمهورية وفق القواعد التي ينص عليها الدستور، والانخراط في العملية السياسية بقوته التمثيلية.

 

وفي الزيارة الأخيرة التي قام بها السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو إلى الرابطة المارونية، شدّد على الوحدة الوطنية في هذا الوضع الصعب، والحفاظ على التماسك الداخلي بين المكونات اللبنانية في مواجهة الأخطار. وكأنّه يشير إلى التنبّه للخطاب السياسي الذي يعتمده الأفرقاء حالياً لئلا يكون باباً تتسلّل منه الفتنة، ولو لم يكن المراد من هذا الخطاب إثارتها. وكان هاجسه التهجير القسري للناس في المناطق المستهدفة بالغارات الإسرائيلية، وضرورة احتضان البيئة المضيفة لهم.

 

ويبدو أنّ دور باريس الراهن في لبنان، أزعج تل أبيب كثيراً، بل أغضبها، ولم يزعج واشنطن، وخلّف ارتياحاً لدى كل من رئيسي مجلسي النواب والوزراء، وتجلّى ذلك بالإصرار على أن تكون فرنسا في عداد أعضاء لجنة الرقابة التي ستتولّى الإشراف على تطبيق الحل الذي يُعمل عليه، والذي اضطلع به آموس هوكشتاين قبل إنهاء تفويضه من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب. وهذا النشاط الفرنسي سيتيح لباريس، كما ترى اوساط متابعة – القيام بدور الوسيط مستقبلاً بين واشنطن وطهران، مع تسلّم ترامب مهمّاته دستورياً لبعث الروح في المفاوضات التي بدأت بين الجانبين في سلطنة عمان، من حيث بلغت. والدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي. كذلك سيسهل أمامها الدخول في مقاربة مختلفة للملف السوري بما يتيح لها العودة إلى دمشق، بعدما عادت إليها دول كانت أشدّ عداءً لنظام الرئيس بشار الاسد. ولا يبدو في الأفق أنّ فرنسا ستقوم بدور أمني كما فعلت ألمانيا سابقاً، من خلال ما نسجت من علاقات مع «حزب الله» وما يربطها من صلات مع إسرائيل في معالجة قضايا الرهائن والمخطوفين والسجناء. مع الإشارة إلى أنّه لم يعد لبرلين القدرة على القيام بأي دور بين الحزب والكيان الصهيوني، وذلك بسبب موقفها من الحرب على غزة ولبنان، وهو في ألاصل ليس موقفاً مستغرباً، بل كان مفاجئاً لجهة حجم التأييد غير المشروط وغير المبرّر للاعتداء الإسرائيلي على القطاع ووطن الأرز.