لبنان عشيّة الخيارات المصيريّة:
تمرّ الجمهوريّة اللبنانيّة بمرحلة انتقاليّة تحمل في طيّاتها تحدّيات كثيرة وكبيرة تتعلّق بالسلطة ومكوّناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتتجاوزها لتصل إلى الكيانية اللبنانية بتركيبتها الجغرافية التاريخيّة منذ زمن اتفاق بوليه – نيو كمب في العشرينات إلى الزمن الحاضر. ذلك أن بلاد الأرز تستقبل شخصيّتين مؤثّرتين في المصير اللبناني هما: رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، في زيارتي تهنئة للقيادة اللبنانية الجديدة ممثلة برئيس الجمهورية جوزاف عون وبالرئيس المكلف تشكيل الحكومة نوّاف سلام.
1- بعيداً من المجاملات البروتوكوليّة فإنّ على ماكرون أن يسلك في الخط التاريخي الذي سلكته فرنسا تجاه لبنان منذ القرن الثامن عشر، وهو خط الدفاع عن الكيانيّة اللبنانية في وجه القوى التي عملت وتعمل على تشويه صورة لبنان، وتجتهد في إبراز صورته على أنه خطأ جغرافي وتاريخي وليس حقيقة جغرافية وتاريخيّة. وهذه المحاولة الإجراميّة التي ردّت عليها في الماضي مندوبة فرنسا إلى لبنان إليزابيت بيكار، والتي وجدتها أمراً طبيعياً من جانب إسرائيل وسوريا في موقفهما إزاء لبنان لسبب جوهري: لأن قيام لبنان الكيان السيّد النهائي والمستقل هو بذاته نقض لسوريا الكبرى ونقض ونقيض لإسرائيل الكبرى.
2- وفي الخط التاريخي للعلاقات الفرنسيّة اللبنانية يبرز تصريح للرئيس الفرنسي جاك شيراك وفيه يقول: “إنني متعلّق بلبنان تعلقاً عميقاً مثل الشعب الفرنسي. هذا البلد الصديق الذي يربطنا به التاريخ ومشاعر القلب”. وفي ضوء هذا الشعور الأخوي بين الشعبين يفهم كيف أن لبنان يأتي في طليعة البلدان التي يشعر الفرنسيون حيالها بالتعاطف والتضامن وذلك بنسبة 47% (بحسب مؤسسة SOFRES). أمّا التصريح المعبّر عن موقف فرنسا الصحيح تجاه مصير لبنان كدولة حاجز بين سوريا وإسرائيل فهو الذي عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي السابق كلود شيسون، الذي هو من أبرز الدعاة إلى حياد لبنان وفيه يقول: “إن الأسرة الأوروبيّة تدرك أنها غير قادرة عملياً على جعل لبنان منطقة نفوذ بسبب الوجود الأميركي والسوري والإسرائيلي فيه. ولكنها ستعمل كل ما بوسعها للحيلولة دون إقامة إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى على حساب لبنان الصغير”. يضاف إليه أن كلود شيسون هو من أكثر السياسيين الغربيين وليس الفرنسيين فقط التزاماً بالدفاع عن حياد لبنان. وهذه المواقف الفرنسية التاريخية ينبغي أن تكون حاضرة في أذهان المسؤولين اللبنانيين لدى استقبالهم الرئيس الفرنسي وليس الاكتفاء بالشكليات البروتوكولية فقط. الجملة الوحيدة التي تحدّد طلب لبنان من فرنسا وهي المتعلقة بمصيره التاريخي هي: على فرنسا أن تعمل لتحقيق حياد لبنان.
3- المرجو أيضاً من الأمين العام للأمم المتحدة مساعدة لبنان في مجلس الأمن كي يحقق إمّا حياده وإمّا تحييده على يد القوى الكبرى. وذلك انطلاقاً من قناعة لدى الأمين العام وهي أن لبنان دولة ذات دور ووظيفة حضارية في مؤسسة الأمم المتحدة. فهو قد ساهم في إنشائها وكان مندوب لبنان في المنظمة الدكتور شارل مالك صوتاً للإنسانيّة في حضارتها وحقوق الإنسان. لذا من مصلحة الأمم المتحدة المحافظة على وجود لبنان كياناً ودولة سيدة حرّة مستقلة. كما يمكن طرح موضوع مزارع شبعا وطريقة استعادتها إلى الكيانيّة اللبنانية بعد الاستيلاء عليها بالقوّة بواسطة الجيش السوري، وذلك بإجراء محادثات حول الموضوع بين لبنان وسوريا والأمم المتحدة.
باختصار، إن لبنان بحاجة إلى دعم فرنسا والأمم المتحدة لكي يركّز وجوده الدولاتي في منطقة الشرق الأدنى. وإن وجود السيدين ماكرون وغوتيريش في لبنان هو حظ لوطن الأرز كي يؤكد وجوده على الساحتين الإقليمية والدولية. إن قوة لبنان منذ القدم، منذ زمن الفينيقيين، لم تكن ذات طبيعة عسكرية بل ذات طبيعة حضارية. وإن اختراع الأحرف الهجائية في بيبلوس هو التعبير العلمي عن الاتجاه اللبناني نحو التواصل والتفاهم والتحاور وليس نحو التصادم.
وهذا الاتجاه الحضاري يتمثّل الآن أكثر ما يتمثّل بالثنائي القائم على ذروة هرم السلطة في لبنان أي الرئيسين عون وسلام.
… لهما كل دعائنا بالتوفيق والنجاح لأنهما “مستحقّان ومستأهلان”!