نال رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي موافقة النوّاب السنّة الذين كلّفوه تشكيل الحكومة، الى جانب الشيعة، دون سواهم من الدروز والمسيحيين الذين فضّلوا تسمية السفير نوّاف سلام بدلاً منه، أو «لا أحد». فالـ 54 صوتاً التي حاز عليها للتكليف بغالبية أصوات السنّة (والشيعة) كانت كافية لتُعيد الطمأنينة الى قلبه ، كونها أكّدت رضى السعودية عليه كرئيس للحكومة الجديدة في لبنان، ممثّل للطائفة السنيّة فيها بعد غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية من خلال تعليق عمله السياسي، وعدم بروز شخصية سنيّة «واعدة» لتمثيل الطائفة بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة… وإذ يجري الرئيس المكلّف المشاورات النيابية غير المُلزمة في مجلس النوّاب بعد ظهر يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، بدأ منذ لحظة تكليفه المباحثات مع الكتل النيابية التي تودّ المشاركة في الحكومة أو أعربت عن استعدادها لمدّ يدّ المساعدة لتسهيل عملية التأليف، وقد كان «اللقاء الديموقراطي» الوحيد الذي أعلن عدم رغبته في المشاركة في الحكومة الجديدة، غير أنّه شدّد على تسهيل التأليف والمساعدة في هذه المهمّة، في موقف متناقض لم تُفهم نواياه الفعلية بعد.
وأبدى ميقاتي في أحاديث إعلامية عدّة أجراها فور تكليفه، جهوزيته لتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أواخر الأسبوع المقبل، بعد إجراء المشاورات النيابية غير المُلزمة بعد ظهر يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، ما يدلّ بحسب مصادر سياسية مطّلعة على أنّه مصمّم على عدم إضاعة الفرصة التي مُنحت له لتشكيل حكومة جديدة، وإن كان عدد النوّاب الذين كلّفوه بهذه المهمّة هزيلاً، لم يصل الى نصف أعضاء المجلس النيابي. علماً بأنّ هذه التشكيلة ستضمّ عدداً من الوزراء أنفسهم الذين تُصرّ كتلتهم على استمرارهم في منصبهم، مع بعض التعديلات التي فرضتها نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة.
وتقول المصادر بأنّ نيّة ميقاتي هي الإسراع في تشكيل الحكومة، التي لا يُحبّذ أن تكون من لون واحد، خصوصاً وأنّ إقرار بعض المشاريع العالقة يتطلب موافقة الأكثرية عليها في مجلس النوّاب، ولهذا ولعدم خسارة المزيد من الوقت، طرح فكرة الإبقاء على وزراء حكومته الحالية وإجراء التعديلات على بعض الحقائب والأسماء، وذلك بالإتفاق مع الكتل التي تودّ المشاركة في الحكومة الجديدة. فالكتل التي سبق وأن أخذت وقتها لتسمية وزرائها في الحكومة الحالية وترغب في المشاركة في الحكومة الجديدة لن ترفض الإبقاء على بعض الوزراء خصوصاً الذين يعملون على بعض الملفات، ومن المهم ان يستكملوها لقطف ثمارها بما يصبّ في مصلحة الشعب اللبناني.
وأكّدت المصادر أنّ ميقاتي لا يريد الخلاف مع أحد، حتى مع الكتل التي لم تسمّه، لأن لا وقت للمناحرات السياسية، بقدر ما يهمّه التوافق معها لكي تُشارك في الحكومة، ولا تُعيق مهمّة التأليف التي يودّ أن يُنجزها في أسرع وقت ممكن. فالثنائي الشيعي، على ما قالت المصادر، لن يُمانع من الإبقاء على بعض الوزراء بالإتفاق مع ميقاتي، أو تعديل بعض الأسماء، فيما «اللقاء الديموقراطي» لن يُشارك ولن يُعرقل. أمّا المشكلة فتكمن في الموقف المقبل للكتلتين المسيحيتين أي «تكتّل لبنان القوي»، أو «كتلة الجمهورية القوّية»، إذ لم يسميا أحد، فيما سمّى 11 نائباً مسيحياً آخراً ميقاتي، وقد يضع كلّ منهما شروطه للمشاركة في الحكومة الجديدة. هذا فضلاً عن «النوّاب التغييريين» الذين سمّوا السفير نوّاف سلام من دون التنسيق معه، ولم يُعرف موقفهم بعد من المشاركة في حكومة ميقاتي أو عدمها.
وفيما يتعلّق بعدم حصول ميقاتي على الميثاقية، كون تسميته افتقدت الى الصوت الدرزي، أكان من قبل النوّاب التقليديين أو من نوّاب المعارضة، فأوضحت المصادر نفسها بأنّ التكليف لا يتطلّب أي ميثاقية، إنما التشكيل وذلك لمراعاة التوازن الطائفي الذي ينصّ عليه الدستور اللبناني وفقاً لمبدأ المناصفة، والمعتمد عُرفاً بإشراك جميع الطوائف. علماً بأنّه يُمكن تشكيل حكومة بالمكوّنات السياسية التي ترغب في المشاركة فيها فقط، إذ لا يُمكن إجبار أحد على المشاركة فيها بالقوّة.
ولأنّ عمر الحكومة سيكون قصيراً، فإنّ ميقاتي لا ينوي عرقلة تأليف الحكومة بسبب حقيبة وزارية من هنا أو هناك، على ما شدّدت المصادر، سيما وأنّ البلاد ستدخل معركة الإستحقاق الرئاسي قبل 60 يوماً من انتهاء عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ولهذا يأمل من الكتل أن تُساعده في تسهيل العملية، وليس تعقيدها من خلال الإصرار على حقائب معيّنة. علماً بأنّ ملفات عدّة ستُستكمل مع الحكومة الجديدة مثل ملف استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن عبر سوريا الى لبنان بعد توقيع العقد أخيراً مع الجانب المصري، فضلاً عن ملف ترسيم الحدود البحرية الذي لا بدّ أن يكون للحكومة ولبعض الوزراء دور أساسي فيها. ومن هنا، قد لن يُمانع ببقاء وزير الطاقة وليد فيّاض ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب في منصبيهما، في حال طالب «تكتّل لبنان القوي» بذلك، على ما يُشاع.
وترى المصادر عينها بأنّه رغم صعوبة التأليف وإرضاء الكتل التي قد تُعرقل التأليف بسبب بعض الشروط، فإنّ ميقاتي مطمئن نظراً للدعم الفرنسي الذي يحظى به، وللرضى السعودي عليه إذ لم تضع المملكة أي «فيتو» أمام تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، بل على العكس، فإنّ «سكوتها فيه علامة رضى». ولهذا سيسعى الى إرضاء الجميع بالمسودة الحكومية التي ينوي عرضها على الرئيس عون أواخر الأسبوع المقبل، لكي يُعطي ملاحظاته عليها قبل التوقيع عليها. أمّا في حال لم يتمكّن من التشكيل خلال الفترة التي تفصل لبنان عن الإستحقاق الرئاسي، فإنّ حكومة تصريف الأعمال الحالية ستقوم بما يُمكنها لاستكمال بعض المهام التي من شأنها معالجة بعض المشاكل الحياتية واليومية التي يُعاني منها المواطن اللبناني، في ظلّ استمرار الإرتفاع الجنوني للدولار الأميركي مقابل الإنخفاض الدراماتيكي للقيمة الشرائية لليرة، وبقاء غالبية الرواتب محتسبة على دولار الألف والخمسمئة ليرة.
وبحسب رأي المصادر، إنّ ميقاتي سيسعى الى عدم الخوض في الملفات الخلافية التي قد تؤدّي الى عرقلة مهتمه، بل على العكس سيبدي الكثير من المرونة ويعمل على درس مطالب الكتل النيابية، ويحاول التوفيق بينها، وبين ما يجده مناسباً لحكومته الجديدة التي ستعمل على إنهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتوقيع العقد لحصول لبنان على الدعم المالي لتحقيق بعض الإصلاحات المطلوبة، فضلاً عن استكمال ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.