العجز هو سيد الموقف في باريس، امام ما يحدث في الشرق الأوسط. تأمل باريس ان تفعل الكثير في مواجهة الأزمات والحروب التي تعيشها المنطقة، لكن «العين بصيرة واليد قصيرة «، خصوصا متى وجدت واشنطن التي تملك الكلمة الحاسمة والنهائية.
باريس تعرف جيدا متى تتقدم ومتى تتراجع متى وجد الأميركي. ما يهم باريس التوقيعات على عقود بالمليارات الى درجة لا تعرف فيها اذا كان لوران فابيوس هو وزير خارجية ام وزير تجارة خارجية، لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الغرق التدريجي اولا، وثانيا إنقاذ الحزب الاشتراكي من الغرق بسرعة قياسية.
انتخابات المقاطعات أكدت الفارق الكبير مع احزاب اليمين الذي كان من اخطر نتائجه صعود اليمين المتطرف برئاسة لوبن ابنة الزعيم التاريخي لهذا الحزب الذي اصبح القوة الثالثة في فرنسا، في وقت يكاد نيكولا ساركوزي الرئيس السابق بكل « قصصه» الخارجة من العالم الثالث يصبح « دولاب «النجاة الوحيد لليمين.
الموفدون الفرنسيون الى المنطقة على الخطين، لا يكاد الوزير لوران فابيوس يذهب حتى يطل مسؤول من وزارة الدفاع او حتى من الخارجية من وزن فرنسوا جيرو. من الطبيعي ان يقابل هؤلاء المسؤولون نظراءهم في الشرق الأوسط، فماذا يقولون علانية او سرا علما انهم يشتركون في التعلق بالمنطقة:
[ لبنان. توجد عقدة واضحة. فرنسا تريد خروج لبنان من الفراغ الرئاسي اليوم قبل الغد وخصوصا ان الحالة الزلزالية تجتاح المنطقة. الحل في «انتخاب رئيس فوق الأحزاب«. باختصار لا ميشال عون ولا سمير جعجع، لكن حتى هذا « صعب جدا « لانه يجب إقناع الجنرال بالانسحاب، مما يعني إقناع حزب الله بالحل وباسم الرئيس الحل. لا يذكر الفرنسيون الحزب لعدم إثارة الخلافات مع إيران، اذ يكفي حتى الآن ما بين طهران وباريس في لوزان، في وقت تبدو السوق الإيرانية واعدة، والأميركيون سيتركون لهم في النهاية مكافأة محسوبة جيدا.
[ السعودية. الحوثيون ومن معهم(ايضا دون الحديث عن إيران الا تلميحا او مواربة)، هم «السبب في خلق هذه المشكلة الموضوعية للسعودية». اليمن يشكّل المدى الحيوي للسعودية. نهاية هذه الحرب ليست قريبة، لان اليمن «يشكل ميدان ضغوط متبادلة» في مواجهة حساسة ودقيقة.
[ سوريا. السعودية «تريد الحل السياسي بشرط الا يكون الرئيس بشار الأسد جزءاً منه«. فرنسا موافقة. الولايات المتحدة ما زالت في حالة الغموض الإيجابي. موسكو وطهران ما زالتا عند موقفهما: الأسد او لا احد«. امام هذا الجمود فان» الجبهات في سوريا ستبقى في حالة مد وجزر وصعود وهبوط وتقدم وتراجع عسكري». في قلب هذا كله السوريون هم الضحايا والآخرون يتباكون على صور الكارثة وكأنها من فيلم درامي أميركي طويل.
[ إيران والمفاوضات النووية. يمكن القول ان حلولا وجدت لأبرز وأعقد المشاكل، لكن التوقيع ما زال صعبا لان الخلاف ما زال قائما حول:
1 ـ التفاهم نهائيا على آلية التفتيش وماذا ستشمل.
2 ـ المشكلة التي اطلق عليها snap back المتعلقة بالعقوبات. واشنطن وخصوصا باريس تريدان في حال إخلال طهران بالاتفاق العودة الى نظام العقوبات الحالي فورا وكما كان ومن الواضح ان إيران لا تقبل بذلك، لانها مثل السجين الذي يطلق سراحه ويوضع في رجله آلة تنذر الشرطة بأنه تجاوز المسافة المحددة له، فتعتقله الشرطة ويعود الى السجن لإكمال عقوبته حتى النهاية، لان الثقة سقطت بينهما نهائيا.
فرنسي مطّلع ومتابع يصف موقف فرنسا من الشرق الأوسط بما يجري حاليا في البحر المتوسط.« كل يوم عشرات وحتى المئات من الهاربين من الحروب خاصة من السوريين الذين يغرقون في البحر الأبيض المتوسط. رغم كل المشاعر الانسانية الصادقة فان فرنسا ومعها أوروبا تقفان عاجزتين عن استقبال حتى الناجين وفي وقف سفن الموت، لأسباب اقتصادية واجتماعية وحتى عنصرية«. والحل؟
لا يكفي ان يكون الله مع الفقراء.