IMLebanon

التفاهم الفرنسي ـ الايراني: ولادة الحكومة فقط أم أبعد من ذلك؟

 

 

اوحت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى باريس، والاهتمام الذي لقيه من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، باعادة بعث الروح في المبادرة الفرنسية، او ما تبقى منها على الاقل

 

الاصح ان ما تبقى من المبادرة الفرنسية لا يزال مهماً واساسياً، وهو اجراء الاصلاحات البنيوية في النظامين الاقتصادي والمالي للبنان، وكانت عنوان ما ادلى به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي او سمعه في باريس، ناهيك بحصول الانتخابات النيابية العامة في موعدها.

 

ليست الحكومة التي يترأس هي ما رمت اليه المبادرة الفرنسية، عندما كُشف عن بنودها في ايلول 2020، ابان الزيارة الثانية للرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت على اثر انفجار المرفأ. اراد الفرنسيون آنذاك، بطموح مغالى به، سلطة اجرائية لا تشبه اياً من سابقاتها بمواصفاتها واعضائها، لا يصنعها الاقطاب الذين دعاهم الرئيس الفرنسي الى طاولة قصر الصنوبر في ذلك الوقت. بمرور الزمن تأكد ان احداً لا يسعه تأليف حكومة الا هؤلاء. من دونهم لا حكومة، كما ان لا حكومة ضدهم. ليس في حكومة ميقاتي حزبيون، الا ان الاحزاب هي التي سمّت وزراءها وهي مرجعيتهم. بات الآن تقييم تأليف الحكومة من الماضي، غير ذي قيمة وأهمية بعدما حازت ثقة البرلمان. استقبال ميقاتي بترحيب في باريس عكس اولاً ارتياحهم الى تأليف حكومة جديدة، اياً تكن، بعد فراغ طويل، واظهر ثانياً رغبة الفرنسيين في المضي بما تبقى لهم في مبادرتهم، وبالتعامل مع رئيس الحكومة على انه هو مفاوضهم المباشر في المرحلة المقبلة.

اشارات التفاؤل الخافتة هذه ليست كافية، للتحقق من نجاح حتمي للحكومة الجديدة في انتشال البلاد من القعر، ما لم تتأكد من المسار الذي يسع لبنان سلوكه في علاقاته بالدول الواسعة التأثير عليه والمتغلغلة، سلباً او ايجابياً، في معظم تفاصيل يومياته. تتقاطع الدول هذه عند محاور ثلاثة، لكل منها مساره المختلف:

اولها، الاميركيون يكتفون بموقف المتفرّج والمراقب ليس الا، ما خلا اهتماماً يتيماً قد يعنيهم في لبنان هو ترسيم حدوده البحرية مع اسرائيل.

ثانيها، دول الخليج العربي، لاسيما منها السعودية، تحافظ على النبرة العالية لتحفظها عن الاضطلاع بأي دور في لبنان في الوقت الحاضر، وترفض اي وساطة غربية لثنيها عن قرارها الحالي، وهو ادارة الظهر الكاملة له.

لم يطل الوقت كي يتأكد اللبنانيون ان مشكلة المملكة مع بلدهم اكثر تعقيداً من خلافهم مع الرئيس سعد الحريري. بشحطة قلم شطبته من معادلتها، وأخرجت العائلة المعمّرة على اراضيها منذ الاب رفيق الحريري طوال اكثر من خمسة عقود. شحطة القلم هذه التي اخرجت الحريري الابن من الحكم، وأفقدته ظهيره، وجردّته من الكثير من العلاقات الدولية، لم تحلّ مشكلة حزب الله في لبنان، ولا مشكلة الرياض معه في لبنان واليمن ومع ايران.

 

لا عودة سعودية الى لبنان قبل حل مشكلة اليمن

 

 

ثالث المحاور هو ما بَانَ عشية صدور مراسيم تأليف حكومة ميقاتي، وُعزي اليه الاتفاق عليها وابصارها النور، الناجم عن تواصل فرنسي – ايراني بعد مكالمة رئيسي البلدين، قيل على الاثر ان المكالمة تلك افضت الى تأليف الحكومة.

الواضح الآن ان التفاهم الفرنسي – الايراني هو الذي يرسل الاشارات الايجابية الى احتمال التقاط لبنان انفاسه. سارع ماكرون الى دعوة ميقاتي الى غداء عمل في الاليزيه، منّ ثم في اليومين المنصرمين فتحت دفعة واحدة كل ملفات الانهيارين الاقتصادي والمعيشي، كأنها على قاب قوس او ادنى من العثور على حلولها. مع ذلك لا يزال الغموض يحوط بالمسار الذي بُني عليه التفاهم الفرنسي – الايراني وصدقيته والوقت الذي يستغرقه. الا ان احداً لم يُجب عن سؤال يرتبط بهاتين الدولتين المعنيتين، كلاً على طريقتها، بالوضع اللبناني: هو تفاهم يقتصر على ولادة حكومة ميقاتي وازالة العراقيل من طريق تأليفها وقد استنفد الغاية منه بصدور مراسيمها، أم هو تفاهم ابعد نطاقاً يرتبط مباشرة بمصالح البلدين في لبنان ويوفر تالياً مظلة استقرار سياسي واقتصادي له الى مرحلة معينة؟

الى الآن لا يعدو التفاهم الفرنسي – الايراني كونه خشبة عائمة ألقيت فوق المياه لاتاحة الانتقال من ضفة الى اخرى. المعلن في ما انجزته هو وجود سلطة جديدة يتاح التفاوض معها.

لأن الجواب لا يزال مبهماً، يبقى الوضع الداخلي محوطاً ببضعة معطيات يكثر التأويل والتفسير والاجتهاد من حولها:

1 ـ لا تفكير لدى الرياض في العودة الى لبنان قبل تسوية مشكلة اليمن. شريكها الفعلي في الحل هناك ايران التي تتصرّف كأنها خلفت السعودية ودورها في لبنان، وهو ما يحاول حزب الله اظهاره بكثير من المبالغة. يضاعف ذلك في الصعوبات المرجّح ان يواجهها ميقاتي في مرحلة لاحقة، خصوصاً اذا ظلت ابواب الرياض موصدة امامه ولم تستقبله.

2 ـ وسط ظروف مختلفة تماماً، يحاول ميقاتي الاضطلاع بدور مشابه للدور الذي اضطلع به الرئيس رفيق الحريري بوصوله الى السرايا عام 1992، وهو ان ينيط بنفسه وضع حد للانهيار. ما أُعطي اياه الحريري حينذاك يفتقر الى الكثير منه الآن، من دون ان يكون ميقاتي بالضرورة شريكاً فعلياً في افتعال الانهيار على نحو ما فعله الرئيس الراحل، وكانت طريقه الوحيدة للوصول الى رئاسة الحكومة.

يفتقر ميقاتي الى ظهير عربي قوي كالسعودية، والى توافقات اقليمية واسعة وجدية من حول لبنان، كالتي رافقت مطلع التسعينات بتقاطع غير مسبوق بين طرازين من التوافق الاقليمي: سعودي – سوري، واميركي – سوري. على طرف نقيض منه من ذلك كله، يبدو لبنان اليوم مقطوعاً من شجرة. ذلك ما اولى التفاهم الفرنسي – الايراني على تأليف حكومة اهتماماً مبالغاً به. على اهمية دورها، لا يسع باريس وحدها ان تكون ظهيراً قوياً للبنان كالرياض، ولا يسع ميقاتي بدوره احتمال ظهير كإيران.