لم يكن اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد فرنسوا الحاج في الثاني عشر من كانون الأول العام 2007 بسيارة مفخخة، إلا محاولة لإسقاط الدولة اللبنانية من بوابة المؤسسة العسكرية التي ظلّت عصيّة على الإرهاب والتي ما زالت حتّى اليوم تُثبت أنها عماد الوطن ومظلّته الأمنية.
فرنسوا الحاج. اسم كان تردد في أكثر من موقع خلال معارك “نهر البارد” المكان الذي استوطنته جماعات إرهابية تحت مُسمّى “فتح الإسلام” بقيادة شاكر العبسي رجل مخابرات النظام السوري وأحد أبرز موفديه إلى القتل والإجرام. والسبب الأبرز لاغتيال الحاج على يد هذه الجماعة، أنه عرف منذ اللحظة الأولى كيف يواجه مخططات الغدر والوقوف سدّاً منيعاً مع خيرة من الضبّاط والعناصر في وجه محاولات جر لبنان إلى الإنقسام المذهبي بعد السياسي، وضرب مؤسسات الدولة فيه وإسقاط هيبة جيشه.
على طريق حفظ الوطن وصون وحدته، أدرك اللواء الشهيد أن المخطط الإرهابي الذي يُرسم للبنان كبير وبأن قراراً قد اتخذ لتقويض مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، ولهذا كان جمع عدداً كبيراً من ضبّاط الجيش في بداية المعركة المشؤومة ليؤكد أمامهم بأن “المعركة مع الارهاب طويلة الأمد، وأنها لن تنتهي حتى ولو انتهت معارك نهر البارد”، ولذلك كان هدفه الأبرز كيفية مواجهة هذا المخطط والإنتصار عليه على الرغم من التكاليف الباهظة التي كان يتوقعها لتحقيق هذا الإنتصار، خصوصاً وأن العدو الذي أمامه متمرس في الإجرام وهو قبل أن يقوم بسرقة أحد المصارف في الشمال وعمليات إجرام عدة وصولاً إلى ذبح عدد كبير من العسكريين، كان قد شيّد تحصيناته وسراديبه واستعد جيّداً لساعة الصفر.
وقف فرنسوا الحاج ورفاقه في وجه مخطط إرهابي كان يهدف إلى سلخ شمال لبنان عن الوطن وتحويله إلى إمارة. ابتكروا طرقاً عديدة وجديدة للمواجهة في وقت كان السلاح بيد الجيش أقل من عادي ولا يُمكنه من خوض معركة تم التحضير والتخطيط لها قبل سنتين من حصولها على أقل تقدير. عرف اللواء الشهيد كيف يُدير معركة الوطن بالنيابة عن كل الوطن إن من خلال الخطط التي وضعها، أو من خلال تواجده على أرض المعركة بشكل مباشر وإدارته لمعظم عمليات الهجوم. حوّل نهار الإرهابيين إلى ليل دامث بفعل الخسائر التي ألحقها بهم تماماً، ما حوّل ليلهم إلى نهار من خلال لهيب القذائف والصواريخ التي كانت تتساقط عليهم مع عدد الثواني. ومع كل إصابة مُحققة، كانت صرخات العز والكبرياء للضبّاط والعناصر، ترتفع مُهلّلة للنصر الموعود.
إنتصر الجيش في معركة مصيرية على جماعات أتت إلى لبنان تحت جنح الظلام لتستوطنه وتؤسس فيه قاعدة للإجرام على الرغم من التكلفة المرتفعة التي دفعها والتي بلغت 168 شهيداً من بينهم 14 ضابطاً بالإضافة إلى مئات الجرحى، وهذا يؤكد للقاصي والداني، أن رجال المؤسسة العسكرية لم يبخلو بأرواحهم ودمائهم في الزود عن وطنهم ومنع تحويله إلى نموذج شبيه بالعراق.
الحرب التي بدأت في 20 أيّار العام 2007 وانتهت في الثاني من أيلول العام نفسه بإنتصار الجيش، يقول فيها مصدر عسكري أنها “أكبر وأشرس معركة خاضها الجيش اللبناني منذ تأسيسه، وقد شكلت اختباراً حقيقياً لوحدته ومهنيته العسكرية، وقدرته على خوض غمار معركة تعتبر من أصعب أنواع القتال في الحروب الحديثة حيث جمعت ما بين قتال العصابات المتحصِّنة في المدن والقتال ضد التنظيمات الإرهابية وأساليبها غير التقليدية في القتال”. ويبقى القول، أن دماء اللواء الشهيد فرنسوا الحاج إنما كانت بحجم العطاء الذي قدمه وبحجم التضحيات التي بذلها مع خيرة من زملائه في المؤسسة العسكرية. والأبرز، ان الروح المعنوية التي أشاعها في “نهر البارد”، أسست ومهدت للإنتصار على الإرهاب في معركة “فجر الجرود”.