Site icon IMLebanon

حين تلمع عيون رؤساء المدارس الفرنكوفونية في لبنان

 

لودريان غادر واعداً أن “الأم الحنون” لن تتركنا

 

 

لا بُدّ أن يكون جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، قد سأل من رافقوه ذهاباً وإياباً الى مدرسة الكرمل في المشرف عن تلك الأشجار الكبيرة، المحروقة، الميتة، على جانبي الطرقات وبين الفلل والبيوت الجميلة. مشهد تشرين الأول ذاك يستمر في تموز مؤثراً. ولا بُدّ أن يكون من رافقوه قد أجابوه أن لبنان قد تأخر يومها كثيراً، كما دائماً، عن إطفاء الحرائق (على اختلاف أنواعها) فكان ما كان.

 

رؤساء مؤسسات المدارس الفرنكوفونية وممثلو المدارس المسيحية حضروا. أكثر من مئة مشارك ومشاركة. راهبات وكهنة وعلمانيون. ورئيسة مدرسة الكرمل الأخت مريم نور (إسمها عند الولادة أنطوانيت العويط) تستقبل الضيوف بحفاوة وتكرر على وقع الثواني: bienvenue… bienvenue chez nous. أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار وصل. رئيس مدرسة الشانفيل ليون كلزي وصل. رئيس مدرسة سيدة الجمهور الأب شربل باتور وصل. كل المدارس الفرنكوفونية هنا. والكلام نفسه يتكرر “التعثر المالي الهائل والهلع على التعليم وإهمال الدولة وضبابية المرحلة والخوف من الآتي”.

 

وصل جان إيف لودريان. التعليمات سبقته. فليدخل كل رؤساء وممثلي المدارس الى الداخل. الأخت مريم نور إستقبلته والى جانبها الأب عازار. الفرنسيون المرافقون يضعون كمامات عليها العلمان اللبناني والفرنسي. الحرّ شديد. والكلمة التي ألقتها رئيسة المدرسة طويلة. هي أشادت بالدعم الفرنسي وقالت: “هذا دليل على مستقبل أفضل”. أفضل؟ يبدو أن كثيرين ممن حضروا يتمنون ذلك، لكن ما عاد كل الكلام يقنعهم. صوت الأخت مريم اختلط مع صوتٍ خشن. نظر لودريان في كل الإتجاهات، بحثا عن مصدر الصوت، الذي استمرّ يرتفع بانفعالية شديدة. إنه ليو نيكوليان، اللبناني- الفرنسي، الذي بات يستحق أن يدخل كتاب غينيس عن عدد المرات التي لاحق فيها سياسيين فرنسيين ولبنانيين وقال لهم: أنتم تكذبون. القوة الضاربة سحبته في ثوانٍ ووضعته في غرفة جانبية. وتابعت الأخت مريم خطابها. الأخت آستير، العاملة في مدرسة الكرمل، دخلت وتكلمت معه وحين خرجت قالت: انتهى الموضوع. سيخرج.

 

وزير الخارجية ردد كلاماً كثيراً، سمعناه في كل محطاته التي سُمح للإعلام بتغطيتها: على السلطات اللبنانية أن تتحرك. وهذا البلد يقف على شفير الهاوية. وخطر الإنزلاق. وأهمية الحياد الإيجابي… لودريان قال ما نعرف لكن ما كان ينتظره الضيوف هو كلامه عن المساعدات وحين “بقّ البحصة” صفقوا له كثيراً. قال: “لن نترك الشباب اللبناني وحده في مواجهة هذه الأزمة وسنخصص 15 مليون يورو دعماً للقطاع التعليمي في لبنان” أضاف: “يمكنكم أن تتكلوا على بلادي فنحن لن نسمح بانهيار قطاع التعليم ولا سيما المدارس الفرنكوفونية في لبنان” وختم: “لا بدّ، كما قال الرئيس ماكرون، من زيادة عدد المدارس وأؤمن بمستقبل التربية في لبنان ولا أحد سيترككم”. علا التصفيق.

 

هل يضع ممثلو ورؤساء المدارس أيديهم في المياه الباردة؟

 

من لم يرَ ذاك اللمعان الذي ظهر في عيني رئيسة راهبات “الدليفراند” الأخت سعاد أبو سمرا لم يرَ شيئاً. فهي، كما كثيرين، لم تعتد على فعل “الشحاذة”. وتقول: “كتر خير فرنسا لكن هذه واجبات دولتنا”. وتستطرد: “فرنسا قالت لنا، عبر وزير خارجيتها، ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم، وأنا أوافق جداً على ذلك. نحن نعيش في بلد لا مياه فيه ولا كهرباء ولا إنترنت ولا طرقات ولا لقمة عيش فهل علينا أن نشحذ أيضا؟”.

 

مدرسة الأخت أبو سمرا تحضر الطلبات لتقديمها للدراسة على أمل أن تأتي الإجابة عليها في أيلول. وكم عدد من قدموا طلبات؟ كم عدد من يحتاجون الى مساعدات من طلاب الدليفراند؟ تجيب بسؤال: “كم ربّ عيلة يحتاج اليوم الى مساعدة؟”.

 

أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، الحاضر دائماً، قال من مدرسة الكرمل رداً عن سؤالنا له عن رأيه في المشهد كله: “أرى أننا سنتغلب على الأزمة التي نعانيها بإضاءة شمعة رجاء وهذا خير من أن نلعن الظلام”. أضاف: “لعل حراك فرنسا اليوم في اتجاهنا له دلالة رمزية عميقة كما زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان في تسعينات القرن الماضي”. نتذكر ونحن نصغي الى الأب عازار كم من مرة ومرة كنا بحاجة الى أمل وشمعة رجاء. والسؤال التالي هو: هل يشعر أمين عام المدارس الكاثوليكية بما يشعر به كثيرون بأننا نشحذ حتى العلم؟ يجيب: “ليست شحاذة بقدر ما هو شعور المجتمع الدولي بنا وبأن التربية أساس والتعليم أساس”.

 

مدير مدرسة الجمهور الأب شربل باتور جلس الى جانب عضو الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية الأخت باسمة الخوري وراحا يتحدثان عن الواقع والرؤى. ثمة أمل يبقى رغم كل السواد. والأخت باسمة تتحدث عن نقطة جوهرية يشاطرها بها الأب شربل: “يظن الأهالي أن فرنسا ستدفع كل الأقساط عنهم وهم يجهلون أنها لن تساعد إلا أربعين مدرسة مسيحية من أصل 600 مدرسة”. إنهما يتحدثان عن مشكلة الكتب وعن التعليم أونلاين وعن مشكلة الأوتوكارات. المشاكل كثيرة لكن… “لولا فسحة الأمل”.