ما ان تمّ الإعلان عن زيارة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لباريس بناءً على دعوة المستشار الرئاسي باتريك دوريل، حتى تدفقت التفسيرات المتعارضة لهذا التطور، واستمر “هطول” التحليلات الغزيرة بعد عودته، فيما يبدو أنّ قلّة في البلد تعرف حقيقة ما دار هناك.
فتحت زيارة فرنجية لفرنسا شهية أصحاب المخيلات الواسعة وأطلقت العنان لفرضيات تمّ ترويجها على أساس انّها حقائق، فيما تسلّح فرنجية والوزير السابق روني عريجي الذي رافقه، بالصمت التام، على قاعدة: إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.
وبدا واضحاً انّ العواطف السياسية والأحكام المسبقة هي التي نسجت خيوط كثير من الروايات في شأن الزيارة، بحيث انّ خصوم فرنجية بادروا تلقائياً، وقبل عودته، إلى الحكم عليها بالفشل، معتبرين انّ الغاية منها انّ الاليزيه أبلغ اليه أنّ فرصه اصبحت معدومة وانّ الإدارة الفرنسية فعلت ما بوسعها لإقناع السعوديين به ولكنهم أصرّوا على رفض انتخابه وبالتالي صار يتوجب عليه الانسحاب.
وحتى بعض المتحمسين لفرنجية أفرطوا أيضاً في تفاؤلهم، وفسّروا دعوته إلى باريس كمؤشر قاطع إلى أنّ “الأمر قُضي”، وأنّ الرجل أصبح رئيساً للجمهورية مع وقف التنفيذ، في انتظار لمسات أخيرة ستمهّد للنقلة الحاسمة.
وبين هؤلاء واولئك، يؤكّد العارفون انّ احداً لا يعرف حقيقة ما دار في الغرف المغلقة بين فرنجية والفرنسيين، سوى الحلقة الضيّقة جداً التي تحوط برئيس تيار “المردة”، وربما قلّة من الحلفاء المُنتقين، “وكل ما عدا ذلك لا يعدو كونه تمنيات شخصية او اجتهادات سياسية في أحسن الحالات”.
وعُلم انّ فرنجية طلب من المحيطين به التكتم الكامل، وعدم الخوض بأي تفاصيل تتعلق بلقاءاته في باريس. فيما جزم قريبون منه انّ كثيراً مما نُشر حول مجريات زيارته لفرنسا هو من نسج الخيال ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، لافتين إلى انّ المداولات بقيت ملك أصحابها.
وبمعزل عن طبيعة النتائج التي أفضت اليها لقاءات فرنجية في فرنسا، الّا انّ الواضح هو انّ الموقف السعودي لا يزال يشكّل عائقاً أمام تأمين النصاب الاقليمي – الدولي لتغطية وصوله إلى بعبدا، وهذا ما يدفع الداعمين لفرنجية إلى اعتماد استراتيجية الصبر، في انتظار حصول تعديل في المقاربة السعودية، بالترافق مع التحوّلات الإقليمية النوعية، من الاتفاق بين الرياض وطهران، والذي لم تتبلور مفاعيله بعد، إلى الانفتاح السعودي المتزايد على سوريا والذي قد يُتوَّج بدعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة العربية المزمع عقدها قريباً، علماً انّ المملكة تعمّدت اخيراً تفعيل الإشارات الإيجابية في اتجاه دمشق، سواء لجهة السلوك السياسي او الخطاب الإعلامي.
وهناك من يفترض أنّ التقارب السعودي – السوري معطوفاً على ذاك السعودي – الايراني، هو مسار لا بدّ من ان يفضي بعد استكماله، إلى انتخاب فرنجية كجزء من البازل الجديد في المنطقة، مع الأخذ في الحسبان الهواجس السعودية والضمانات المطلوبة لمعالجتها.
ويشير أصحاب هذا الرأي، إلى انّ منح تلك الضمانات سيصبح بالتأكيد أسهل، وسط البيئة الاستراتيجية الملائمة والآخذة في التشكّل في المنطقة، والتي لا بدّ من ان تنعكس على لبنان، حيث يُتوقع على سبيل المثال ان ينخفض منسوب التوتر بين الرياض و”حزب الله”، مع ما سيرتبه ذلك من إراحة للرئيس المقبل، خصوصاً في ملف العلاقة مع دول الخليج.
وبالترافق مع رحلة فرنجية الباريسية، كان لافتاً تصعيد “القوات اللبنانية” نبرتها عبر تأكيد رئيسها سمير جعجع، انّ “أي مرشح للممانعة اياً كان اسمه لن يدخل قصر بعبدا”، إلى جانب تعليقات حادّة صدرت عن جهات أخرى أيضاً، ما دفع احد السياسيين من أصدقاء فرنجية إلى الاستنتاج بأنّ ردود الفعل على زيارته تجاوزت بكثير حدود ما تتحمّله، مستغرباً حجم التوتر الذي ولّدته لدى المنزعجين منها.
هذا التصعيد ضدّ فرنجية والدور الفرنسي وضعه البعض ضمن خانة “الهجوم الاستباقي” الرامي إلى محاولة احتواء الدينامية التصاعدية لإيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، عقب استشعار خصومه بأنّ الفريق الداعم له يحقق اختراقات قد تقلب موازين القوى، فيما رجح البعض الآخر ان يكون رفع السقف، خصوصاً من جهة جعجع، قد أتى في سياق التناغم مع الطرح السعودي.