يتميز رئيس تيار “المردة” بصراحته المعهودة التى يعبر عنها بطريقته الخاصة. يمزج فيها بكثير من الديبلوماسية المطعمة بالأسلوب الزغرتاوي ويبدي مواقفه بلين من غير عنف، وهو الذي استطاع أن يكسر حاجز الخوف عند الرئيس سعد الحريري ليتبنى ترشيحه لرئاسة الجمهورية. وهي “فرحة ما تمت” بسبب معارضة الحلفاء. إلا ان هذا الامر ترك ندوبه جلية على مسار زعيم “المردة” الذي لم يعد يداري بمواقفه رئيس الجمهورية ميشال عون ولا “خليفته المنتظر” جبران باسيل.
حين سئل وزير المهجرين السابق غسان عطالله عن مقاطعة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للقاء بعبدا المالي أجاب: “هذا الأمر بحاجة إلى تحليل نفسي خصوصاً وانه ممثل في الحكومة بوزيرين وافقا على الخطة”. وفق حلفائه والعالمين ببواطن تفكيره ان الأمر لا يحتاج لتحليل نفسي، كل ما في القصة ان فرنجية لا يريد تسليف موقف لرئيس الجمهورية ميشال عون ويتجنب لقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. هو غضب الزعامات التقليدية حين يسود وتعلو اعتباراته على اي اعتبارات أخرى حتى ولو كانت وطنية. لم يستسغ كثيرون داخل الوسط المسيحي وخارجه مقاطعة سليمان فرنجية لقاء بعبدا المالي ولا أسلوبه الساخر بإلاعلان عن الأمر، خصوصاً أن الموضوع يتعلق بمقام رئاسة الجمهورية. حتى أبرز حلفائه استغربوا موقفه وقد بذلوا جهوداً لثنيه عن المقاطعة فأبى وأصرّ عليها. على أن المحاولات للتقريب بين عون وفرنجية لا تزال قائمة والتوافق بينهما يتطلب من الأول ان يفصل بين العهد وبين “التيار الوطني الحر”، وابداء الإنفتاح على الجميع ومن بينهم خصوم باسيل السياسيون، ومن الثاني التعاطي بإيجابية مع الرئيس ومقام رئاسة الجمهورية.
ثمة من يرى ان فرنجية فقد توازنه السياسي بعد الرئاسة وباشر العمل وفق كيديات سياسية ومواجهات مفتوحة مع عون و”الوطني الحر”، مع العلم انه كان يمكن تنظيم هذا الخلاف بينهما. هذا الصراع الذي صار عصياً على معالجة الحلفاء يدفع أكثر من طرف داخل الثامن من آذار الى السؤال عن حظوظه الرئاسية في المستقبل، في ظل حاجته الى إبداء انفتاح وتفهم أكبر. وهنا قد تكون ثمة نقطة تلاقٍ مع غريمه السياسي باسيل وهي حاجتهما معاً للعمل، كل من موقعه، على اعادة صناعة صورته السياسية وتعزيزها شعبياً. فباسيل الذي تشظى حضوره في اعقاب السابع عشر من تشرين بات أحوج ما يكون لاعادة تصحيح الخلل في العلاقة مع محيطه وحلفائه كما الخصوم، في حين ان فرنجية رغم كل الابواب التي فتحت له وتحالفاته منذ العام 2005 مع عون ووجوده داخل تكتل “التغيير والاصلاح”، لم يستطع العبور الى جبل لبنان وبقي زعيماً في زغرتا.
يحسم فرنجية أمره مع الجمهور الشيعي ويطمئن الى وضعه، ودرزياً لا يقطع به حليفه وليد جنبلاط، أما سنياً ولا سيما في الشمال فحافظ على طيب علاقة ميزت حضوره، لكنها لم تغنه عن حاجته المستمرة للتحالف مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يلتقي وإياه على مواجهة العهد. بات قربه الى الحريري يضاهي قربه الى حلفائه الآخرين داخل فريق الثامن من آذار. التواصل بينهما لم ينقطع، وآخر مرة كانت قبل ايام قليلة، خصمهما السياسي واحد وهو باسيل وطموحهما مشترك، والاتفاق بينهما يقضي بأن يساعد كلاهما الآخر للوصول الى تحقيق هدفه، بحيث يدعم الحريري رئيس “المردة” للوصول الى سدة الرئاسة واذا حالفه الحظ رئيساً فرئيس الحكومة حتما سيكون سعد الحريري.
منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، لا يزال سليمان فرنجية يعتبر نفسه مستهدفاً من باسيل. كانت تكفيه قضية الفيول المغشوش للدلالة على محاولات باسيل لتطويقه وتحميل مسؤولية الفيول المغشوش لرئيس المنشآت النفطية سركيس حليس المحسوب على “المردة”، كأحد أبرز المشتبه فيهم في هذا الملف.
كأن دعم “حزب الله” الذي أصر على تمثيله في حكومة الحريري الاخيرة وأمن له حقيبتين وزاريتين في الحكومة الحالية لم يهدئ من روعه ويجعله ينصاع الى التهدئة مع “التيار” ورئيسه. لفرنجية تقدير عال لدى جمهور “المقاومة”، الذي ورغم تعاطفه معه، إلا انه لم يرَ في امتناعه عن حضور جلسة الحوار المالي ضربة معلم لحليف أساسي كان يفترض ان يتقدم حضوره الآخرين، خصوصاً وان معدي الحوار كما الحاضرين هم من الحلفاء. وهل يعقل ان يغيب فرنجية الحليف ويحضر سمير جعجع فيتحول الى نجم الحوار في الاعلام.
على ان تغيّب فرنجية عن لقاء بعبدا لم يكن وفق عارفيه موقفاً سياسياً، ولو كان كذلك كان يفترض ان يكون أقرب الى حلفائه اي “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري ويشارك، لكن موقفه شخصي بامتياز خلاصته انه لا يريد مواجهة عون وجبران باسيل، جلّ ما يطلبه ان يبادر الرئيس في اتجاهه. فهل تنجح المساعي ونرى زعيم “المردة” في بعبدا قريباً؟