لولا صورة وثلاثة أسطر ونصف سطر نشرها الوزير السابق فيصل كرامي على صفحته على الفايسبوك، لما سمع أحد بالعشاء الذي جمعه إلى رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في دارته في بنشعي، وحضره إليهما أيضاً النائب طلال إرسلان، ووزير الثقافة روني عريجي، والوزير السابق مروان خير الدين، والنائب السابق مروان أبو فاضل.
قرابة أربع ساعات إستغرقها ذلك العشاء الذي جمع «البيك» و»الأفندي» و»المير» يوم الأربعاء الماضي، ولم يخرج عنه أي بيان أو تصريح باستثناء ما أشار إليه كرامي، ما دفع أكثر من جهة سياسية، من باب الحشرية أو بسبب هواجسها، إلى الإستفسار عن دوافع اللقاء، وما دار فيه.
يكشف كرامي لـ»الأخبار» أن لقاءات مشابهة كثيرة عقدت بينه وبين فرنجية، لكن «كنّا نفضّل عدم الإعلان عنها»، مشيراً إلى أنه «بحكم العلاقة التاريخية بين طرابلس وزغرتا، التي أرساها الرئيسان الراحلان سليمان فرنجية ورشيد كرامي، وحفظت الشمال كله في أيام الحرب، فمن الطبيعي أن نلتقي، وأن نكون على تواصل دائم».
لقاء العشاء في بنشعي جعل بعض أنصار كرامي يعلقون عليه على مواقع التواصل الإجتماعي، بأنه «جمع فخامة الرئيس سليمان بك، ودولة الرئيس فيصل أفندي، وبعض وزراء الحكومة المقبلة»، وعندما يُسأل كرامي هل ترى ذلك حاصلاً، يجاوب: «لمَ لا، على الأقل ننقذ البلد من مشكلة النفايات التي أغرقوا البلد فيها، ولم يجدوا لها حلاً».
يفضّل كرامي عدم التحدث كثيراً عما دار في عشاء بنشعي، الذي كانت السياسة الطبق الرئيسي فيه، لكنه يوضح أنه «تداولنا في همومنا والقضايا اللبنانية، ومعاناة المواطنين المتفاقمة، والأزمات السياسية التي تعطل مؤسسات الدولة».
لكن برغم التحفظ، يؤكد كرامي أن «قراءتنا المشتركة هي أن الأوضاع في لبنان والمنطقة بعد الإتفاق النووي بين إيران والغرب، ليست كما كانت قبله»، إنما ذلك لم يمنعه من الإستدراك بأن «الطبخة لم تنضج بعد، والتسويات والحلول تحتاج إلى وقت».
كرامي: مع من نتحالف؟ مع سمير جعجع صاحب المشروع الانعزالي؟
«أفندي» طرابلس الذي يكيل المديح لـ»البيك» الزغرتاوي، ويصفه بأنه «رجل وطني وصريح وعروبي صادق»، يؤكد أنه «هكذا هو مع الجميع، إنما علاقته بي تتميّز بعض الشيء عن الآخرين».
يوضح كرامي عمق علاقته بفرنجية بالقول «نحن في طرابلس والشمال أثبتت الأيام أنه لا يمكن أبداً أن نعيش وحدنا، لا بدّ لنا من شريك مسيحي». وهو قبل أن يحدد من هو هذا الشريك، يسأل ويجاوب في آن واحد: «إذا لم نُقم تحالفاً مع فرنجية فمع من نتحالف؟ مع سمير جعجع، صاحب المشروع الإنعزالي والتقسيمي؟».
تمسّك فرنجية وكرامي بالتحالف التاريخي بين العائلتين والمنطقتين، وتياري المردة وحزب التحرر العربي، لم ينبع من فراغ، فالتجارب والمحطات العديدة التي مرت بها العلاقة بينهما جعلتهما على اقتناع بأن تحالفهما حاجة وضرورة لتثبيت التعايش والإنفتاح بين مختلف مناطق الشمال.
وما جعل هذا اليقين يترسخ بين الطرفين، أن افتراق أحدهما عن الآخر إنتخابياً في بعض المحطات، كما حصل في إنتخابات عام 2000، لم يؤد إلى عثور كليهما على بديل لإقامة تحالف سياسي راسخ معه.
فالنائبة السابقة نائلة معوض التي تحالفت عامها مع الرئيس الراحل عمر كرامي، لم تلبث أن افترقت عنه، بعدما باعدت بينهما الرؤى والتحالفات السياسية، وخصوصاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، بانضواء معوض في صفوف 14 آذار، ووقوف كرامي إلى جانب قناعاته السياسية داعماً لفريق 8 آذار.
والأمر ذاته حصل مع فرنجية، إذ لم يجد في نواب تيار المستقبل في طرابلس حليفاً سياسياً بسبب إرتهانهم لمرجعية آل الحريري. والرئيس نجيب ميقاتي شاب علاقته به مد وجزر، وحال عزوف النائب محمد الصفدي سياسياً في الآونة الأخيرة دون تطوير العلاقة معه، ما جعل فرنجية وكرامي يجدان أن العودة إلى الأصل هي أقصر السبل وأربحها سياسياً من أجل صون العلاقة التاريخية بين طرابلس وزغرتا.
هذا الإنطباع تؤكده مصادر مقربة من فرنجية، قالت لـ»الأخبار» إن لقائه كرامي «أمر طبيعي، فالعلاقة بينهما لطالما عُدّت نموذجاً في العلاقات بين «البيوتات» السياسية، وتحديداً الشمالية منها، واللقاء بطبيعته وأجوائه أغنى الحياة السياسية في لبنان، لا العكس، لأنه عقد بين طرفين بقيا ثابتين على موقفيهما ومبادئهما السياسية الوطنية والقومية، برغم كل الصعوبات والضغوط والمتغيّرات في لبنان والمنطقة».