لا هي مؤامرة الثلاثي نبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط لإستنساخ النظام وإعادة إنتاجه، ولا هي “إنسوا انها فوعة الأيام الماضية التي تلاها هدوء نسبي حيث عاد العقل ليسود”، انها تماماً كما تعمّد سليمان فرنجية ان يصفها بعد عودته من باريس وإجتماعه مدى ست ساعات مع الحريري “عملية ترشيح جدي تظل في حاجة الى اعلان رسمي”.
بين “الجدي” و”الرسمي” مسافة طويلة ومتعبة للكثيرين من الذين ينتظرون “غودو الفخامة” على رغم تعطيل الاستحقاق الرئاسي وشل الحكومة وتدمير المؤسسات وتساقط حجارة بناء الدولة المهلهل، وهي مسافة ستشهد كثيراً من الإلتهابات السياسية والحرائق العصبية وإرتفاع الحرارة والتعرّق والتداوي بالمهدئات والمضادات الحيوية، وهذا ليس مفاجئاً قياساً بالخريطة السياسية الداخلية وبتناقضاتها وألوانها وتحالفاتها .
لهذا لا أتردد في إستعارة ما قاله سليمان فرنجية تحديداً في 20 آب من عام 2004 عندما عاد من دمشق، وكان يومها من الاسماء لمرشحة للرئاسة، وكانت أجواء “الروح القدس” السوري [رحمة الله على الرئيس الياس الهراوي] تنذر بإمكان تجديد أو تمديد ولاية اميل لحود، يومها قال فرنجية بصراحته وفروسيته المعروفتين وعلى شيء واضح من المرارة على ما أتذكّر جيداً: “بدكم تتعودوا على برمات الدهر”!
كثيرون في هذه الأيام أيضاً “بدهم يتعودوا على برمات الدهر”، هذا إذا أكمل دهر الحريري فرنجية برمته، بمعنى ان يصير “الجدّي ” “رسمياً”، ولكن من الضروري ان نتذكّر ان دهر اليوم غير دهر الأمس، فلا “الروح القدس” يخرج من ملاجئه في دمشق، ولا الحوار الباريسي والترشيح الجدي يستلهمان قصر المهاجرين، الذي يقال انه حزم حقائب الهجرة منذ زمن على رغم كل ما يُقال بالروسية والفارسية!
كل المطابخ السياسية على نار سواء كانت هنا وراء جدران الصمت المحموم الذي يكزكز، او كانت وراء من وضعوا عيونهم فوق حواجبهم عجباً هناك، حيث “لا صوت يعلو فوق صوت سعد الحريري”، خصوصاً ان “الروح القدس” لم يعد يعمل في الشام بل في عواصم وأمكنة أخرى، وإلاّ لما كان فرنجية ليطير الى باريس ولا كان الحريري ليرشّحه جدياً لرئاسة الجمهورية .
والقصة الآن ليست عند الحريري ولا عند فرنجية، بل عند الذين يبحثون عن صيغ ومخارج لإعادة ضبط إيقاعهم، ومحاولة تحييد تحالفاتهم عن الأضرار المدمرة التي يمكن ان يخلفها “فالق برمات الدهر”، سواء في الضاحية أو في الرابية وكذلك في صفوف 14 آذار التي تنفخ فيها رياح التشظي منذ زمن .
الترشيح “الجدي” يعصف بالآذاريين جميعاً وإن لم يصبح رسمياً سيفتح بابين : إما باب يفضي الى فراغ مديد وخراب أكيد، وإما باب ينتظر وراءه رئيس وفاقي وسطي لمّاع ومعروف من خارج الموارنة الاربعة !