زعيم «المردة» ينسّق خطواته مع بري وعينه على المعارضة
في موازاة «برمة العريس» التي يقوم بها العونيون على النواب والقوى السياسية، استعداداً لجلسة الحادي والثلاثين من تشرين الأول، ثمة اتصالات بعيدة عن الأضواء يتولّاها «المرديون» مع كل نائب معترض أو متحفّظ أو متردّد في مواجهة قرار الرئيس سعد الحريري بتبنّي ترشيح العماد ميشال عون.
يدرك فرنجية أنه لو تسنّى له أن ينال موافقة الأمين العام لـ «حزب الله» قبل سنة، لأمكن له أن ينال أكثر من 100 صوت، باستثناء أصوات الكتلة العونية، وهي أرقام لا يمكن أن ينالها أي مرشح رئاسي غيره، وهي تدلل على مدى مقبوليته في «الشوارع» الإسلامية، والدليل أن معظم المعترضين في «كتلة المستقبل»، كانوا سيصوّتون له.
وبرغم الطبل والزمر، يصرّ فرنجية على التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، كأنه لم يحسم سياسياً لمصلحة عون. إن فاز بالرئاسة، فلن يزعل، وإن خسر، فإنه يراكم وهو يدرك أن المستقبل أمامه والفرص مفتوحة خصوصاً أنه صار عضواً في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية، ليس عند فريقه السياسي بل حتى عند الفريق الآخر.
النقطة الثانية، في هذا السياق، أن فرنجية يراكم دولياً وإقليمياً، من دون أن يفرط قيد أنملة بخياراته الوطنية أولاً والعربية ثانياً. فهو وبرغم ظلم أهل البيت فلن يخرج من المقاومة وسيبقى سورياً حتى العظم، ولن يغادر عروبته برغم محاولة إلباسها لبوس العداء لغير العدو الإسرائيلي، ناهيك عن خطابه الفلسطيني الذي لا يفرط بالقضية من جهة ويبتعد كل البعد عن لغة التحريض الشوفينية العنصرية من جهة ثانية. يسري الأمر أيضاً على قضية اللاجئين السوريين.
ولعل ميزة فرنجية أنه يحيط نفسه بفريق عمل، من ضمنه وريثه نجله طوني، وهو فريق أثبت أنه يمتلك قدرات لطالما استثمرت في السياسة والنيابة والوزارة وفي المعارضة مستقبلاً، وهو لطالما فتح الباب أمام المنافسة البناءة التي تجعله يأخذ من مستشاريه أفضل ما عندهم من خبراتهم وعلاقاتهم وأفكارهم.
في هذه الأثناء، يمسك المتحمّسون لفرنجية بالورقة والقلم. يضعون جداول اسمية للنواب الـ 127. حساباتهم واقعية وليست خيالية. مع وضد وأوراق بيضاء. لا تستهويهم المعارك «الدونكيشوتية»، ويعتقدون أنّ الأيام المقبلة قد تحمل تطورات غير محسوبة طالما أنّ هامش «اللبننة» لا يزال متاحاً، ولا يجوز بالتالي إسقاط أي سيناريو من الحسبان، خصوصاً في ظل بعض الإشارات التي تلتقطها بنشعي يومياً.
وفق هؤلاء، فإن قيام جبهة معارضة لترشيح «الجنرال» يساعد على تحوّل كرة الثلج الى جبل جليدي من شأنه أن «يفرمل» المبادرة الحريرية، ولو في آخر لحظة، أو أن يخفف وهجها. لذا لا يقف فرنجية متفرّجاً أو مكتفياً ببيان ترشيح، لم يصدر أصلاً عنه.. وإنما يعمل، ويعمل معه كل مَن حوله.
وعلى قدر أهمية نتيجة الصندوقة الرئاسية في تحديد هوية الرئيس العتيد، يتطلع المتحمّسون لفرنجية الى الاستثمار السياسي لـ «سكور» الأرقام، وما يمكن أن يُبنى عليها عند قيام العهد الجديد.
هكذا، يرفض هؤلاء المنطق القائل إنّ خيار المواجهة يخسّر القطب الشمالي ويستنزف مخزونه المسيحي، «على العكس تماماً فهي سترفع من رصيده ربطاً بطبيعة المزاج المسيحي المتنوّع، وكما هناك مَن يناصر أفكار عون ويأمل دخوله القصر، هناك أيضاً مَن يعارضه ويتمنى لمبادرة الحريري أن تتعطل».
«هذه المواجهة تزيد ثقة الناس بابن زغرتا الذي لا يمكن الا أن يكون منسجماً مع نفسه وتاريخه وحاضره، وبالتالي لن يخون جمهوره ولا إرادة بعض الحلفاء والأصدقاء، فما يقوم به هو الانسجام بحدّ ذاته»، يقول «المرديون».
كل السيناريوات ممكنة، وبينها العودة المشرّفة الى صفوف المعارضة. لا شيء محسوماً وفق المتحمّسين لفرنجية لأنّ قراراً من هذا النوع ليس فردياً بل رهن المشاورات مع الحلفاء، وأولهم رئيس المجلس. من السهل عليهم استيعاب فكرة العودة الى المعارضة ولا خشية من مواجهة الاستحقاقات المقبلة وأبرزها الانتخابات النيابية، من خلال موقع سياسي جديد، لا سيما وأنّ تجربة الانتخابات البلدية التي كانت عابرة للاصطفافات التقليدية، لا تزال ماثلة في الأذهان.
في الانتخابات البلدية، كان الحزب القومي هو الثابت الوحيد في التحالفات، وهو مشهد سينتقل حكماً الى الحلبة النيابية، من دون استبعاد تبدل خريطة 8 و14 آذار التي لم يبقَ منها شيء الا الأسماء. أما العلاقة مع الحريري فتختصر بتعبير واحد: لا مواجهة.
في لحظات مصيرية تعبرها الرئاسة الأولى، لم يسبق أن شهدتها عهود «الطائف»، يجاري فرنجية رياح اللبننة. يتصدّى بأسلوبه الخاص للهجمة التي تعرّض لها فقط لأن أبواب القصر كادت تفتح له. يرفض أن يحني رأسه للعاصفة التي أثارها ترشيح الحريري لـ «الجنرال».. فيحوّلها من تسوية توافقية الى لعبة ديموقراطية تحكمها الصندوقة، ودائماً بالتنسيق اليومي مع بري حليفه في السراء والضراء.
لننتظر ما سيضيفه اليوم فرنجية من كلام سياسي عبر شاشة «إل بي سي» مع الزميل مارسيل غانم.