يُصرّ المتفائلون على الحسم من اليوم بأنّ التسوية الرئاسية أسقطت كلّ الترشيحات وحوّلت السباق في اتّجاه القصر بين رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية و«أبو طوني». وهو ما يشير إلى أنّ التسوية أسقطت ثنائية «وثيقة النوايا» المسيحية نهائياً، وأحيَت معادلة «رباعية الأقطاب الأربعة» وجعلته يخوض سباق الحواجز المسيحية العالية على طول الطريق من بنشعي إلى بعبدا منفرداً. فهل سيجتازها بنجاح؟
ليس محسوماً القول إنّ سليمان فرنجية بات رئيساً للجمهورية في انتظار جلسة نيابية بنصاب قانوني تنتهي بِعدّ الأصوات في ساحة النجمة وإنّ «القصّة انتهت… قوموا تَنهنّي». فأمام هذه المعادلة القائمة اليوم حواجز عدة أثبتَ التاريخ الحديث أنّها ليست سهلة.
وربّما شكّلت عائقاً يؤدّي الى تغيير المعادلات حتى الإقليمية منها والدولية. فبالعودة الى العام 1988 وقبل نهاية ولاية الرئيس أمين الجميّل عاشت البلاد معادلة شبيهة بتلك المحتملة اليوم أعاقت وصول النائب مخايل الضاهر الى قصر بعبدا وذهبَ البلد بـ»إمّو وأبو» إلى الطائف ليشهدَ ولادة جمهورية جديدة، منهم من يحتسبها الثانية وآخرون يقولون إنّها الثالثة.
في جلسة مغلقة شاركَ فيها ممثلون عن وجهات النظر المختلفة حول الاستحقاق، قال سياسي يرفض التسوية: «ما أشبَه اليوم بالأمس، فبفارق الأسماء من دون الأدوار ولِدت التسوية التي قادت الى تسمية فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وبدأ الحديث عن معادلة جديدة أعادت الى الذاكرة دور الموفد الأميركي ريتشارد مورفي قبل 35 عاماً والذي تقمّصَه الرئيس سعد الحريري». وسأل: «لماذا تولّى الحريري مهمّة الترشيح بعدما نُسِبت التسمية الأولى لفرنجية إلى شخصيات أخرى محلية وإقليمية ودولية؟».
ردَّ مؤيّد لمسار التسوية: «حصرتُم الترشيحات بالأقطاب الأربعة وانتظرناكم لتسمّوا مرشّحاً توافقياً على مدى 29 شهراً يمكن احتسابها من تاريخ انعقاد اللقاء الرباعي للأقطاب الموارنة في 19 حزيران 2013 الذي دعا إليه ورعاه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ولم تفعلوا شيئاً.
وانتهت ولاية الرئيس السابق للجمهورية وحلّ الشغور في قصر بعبدا منذ ثمانية عشر شهراً ولم تقدّموا مرشحاً توافقياً يحظى بالإجماع المسيحي في حال رغبتُم تيَمّناً بتجربة اختيار رئيس مجلس النواب ومن بعده رئيس الحكومة». وأضاف: «لم تقبلوا بمعركة انتخابية ديموقراطية لانتخاب الرئيس العتيد ولجأتم إلى سلاح التعطيل بالنصاب القانوني وتباهيتم بمنع إجراء الانتخابات الرئاسية.
فتَحتم معارك هامشية على الطريق أدّت إلى إقفال مجلس النواب على كلّ أشكال التشريع ما عدا الضروري منه لأسباب تتّصل بعلاقات لبنان الدولية وبعض القضايا الداخلية الملِحّة وشلّ العمل الحكومي على خلفية الخلاف حول صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي آلت إليها صلاحيات الرئيس وكالةً. والأخطر عندما أقفلت «ورقة النوايا» الثنائية النقاش حول الاستحقاق الرئاسي».
وعلى هذه الخلفيات، لم ينتهِ الجدل إلى أن انتقل البحث الى قراءة المواقف المسيحية من التسوية ولا سيّما موقفي العماد ميشال عون من جهة والدكتور سمير جعجع من جهة أخرى، وما بينهما موقف النائب سامي الجميّل.
ومن هذه الزاوية لم يرصد أحد أيَّ تغيير في موقف عون، لا بل فكلّ ما يتسرّب من صمتِه أنّه لم يطّلع بعد على مضمون أيّ تسوية ولم يتبلّغ بشيء، في ما يبدو جعجع يستعدّ لمواجهةٍ هي الأولى من نوعها مع الرئيس سعد الحريري على أرض الرياض وما بين القصور الملكية والأميرية، ولن يكون له أيّ موقف نهائي قبل أن يقصد المملكة.
وما بين الموقفين لا يبدو أنّ الجميّل مستعدّ للتفريط بوحدة المسيحيين في المواجهة، وما زال ينتظر سلّة الضمانات، على رغم كلّ التطمينات التي نَقلها السفير السعودي علي عواض عسيري وأخرى من مواقع إقليمية ودولية لم يكشف عنها بالكامل.
ومن انعكاسات القراءة للمواقف المسيحية، يبدو الصمت الذي يَحتفظ به «حزب الله» واضحاً، خصوصاً إذا صحَّت الرواية التي تقول إنّه يريد الاحتفاظ بكلّ مِن عون وفرنجية، في ما الهوّة تتّسع بينهما على رغم أسَفه لعدم تلقّف هدية الحريري بتسمية فرنجية، على رغم أنّه ابنُ الصفّ الداخلي لـ«8 آذار» والمحور الممانع في آن.
وبناءً على ما تَقدّم، لا يبدو أنّ هناك سيناريو واضحاً لِما يمكن أن تقود إليه محطات التسوية المقبلة في انتظار جلاء المواقف المسيحية والمارونية تحديداً. ففي حال استمرّت على ما هي عليه من التصلّب لا يمكن أن تتقدّم التسوية كما هي إلى اليوم.
وفي حال العكس ستظهر ملامح المرحلة المقبلة وسط توقّعات بمصالحات مسيحية – مسيحية تُظلّل إقلاعَ العهد الجديد وهو أمرٌ ليس سهلاً إطلاقاً، لا بل سيُعدّ في حال حصوله من العجائب التي ندرَت على الساحة المسيحية.