لن يكون لقاء الرابية أمس بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية يتيماً. فمن المرجح أن تتوالى اللقاءات بين الرجلين اللذين، بمجرد اجتماعهما، قررا التفكير معاً في الخروج بموقف واحد. الجليد بينهما، والذي كاد أن يرتفع جبله في الآونة الأخيرة إلى حد اللاعودة، انكسر تقريباً في زيارة العزاء التي قام بها فرنجية لدارة عون. وجاء لقاء الأمس ليبدأ مسار التوضيح وتطرية المواقف.
لعل مدة اللقاء القصير نسبياً، إذ لم يتجاوز الساعة، تشي بأن «قائمة» الموضوعات الحساسة تحتاج الى اكثر من لقاء، خصوصاً أن أي تصريح سلبي أو إيجابي لم يصدر. في الأساس، من كان ينتظر أن يصدر عن الرابية أي موقف من عيار «مع» أو «ضد» فرنجية، أدرك أن المسألة أبعد من ذلك بكثير.
أوساط الجانبين تتحدث عن «أجواء ممتازة كالتي تسود بين أي حليفين فكيف بالحري بين رجلين تجمع بينهما علاقة ودّ قبل السياسة». كررها فرنجية أكثر من مرة أنه ينظر الى العماد عون كأب. والجنرال لم يتكلم عن فرنجية إلا بأعذب الكلام.
قرابة 35 سنة فارق العمر بين الزعيمين. هذا وحده كفيل، وفق مطلعين، بأن يفرض الكثير ليقال في كل ما يُطرح من خفايا وأفخاخ في التسوية المفترضة. وقد قيل الكثير في اجتماع أمس حول التسوية، ولا سيما حول «التعامل معاً سوياً، أي في خندق واحد». نجح حلف عون – فرنجية في تجاوز «قطوع» الرئاسة، أقله في مرحلتها الأولى أي قبل أي إعلان رسمي لها من قبل سعد الحريري. ولعل العبارة التي تختصر مجمل اللقاء هي التي وردت على لسان أوساط مطلعة عندما سألها أحد محبي الرابية وبنشعي معاً عن جو اللقاء فأجابت بالانكليزية: «لا قلق».
قد يكون اتفاق الجانبين على عدم التصريح مؤشراً لعدم التشويش أو التحريف أو أن «يفلت الملق» في التأويل. وقد يكون أيضاً مؤشراً إلى عدم نضوج الموقف المشترك. خلال اللقاء الذي تم في حضور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أسهب فرنجية في الحديث. عرض تفاصيل مسار المبادرة التي تطرحه مرشحاً رئاسياً منذ لقائه مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري في باريس. «الجنرال» لم يتكلم كثيراً. وفي ختام اللقاء تمنى لفرنجية التوفيق.
من المفترض أن ينعكس لقاء الرابية تغييراً على مسار المشهد. فمن كان قد لحظ في سلوك فرنجية أنه «يتصرف كرئيس» وبالتالي ذهب بعيداً في التسوية، سيلمس بالتأكيد تعديلاً ما.
ثمة من يتفهم «اندفاعة» فرنجية للسير في «التسوية». فالزعيم الزغرتاوي «حسبها بمنطق الماروني الطموح للوصول يوماً إلى الرئاسة»، ففكر بأنه من الطبيعي أن يعمل عون، إذا ما وصل الى سدة الرئاسة، على التمهيد لخليفته، أي جبران باسيل للوصول أيضاً إلى كرسي بعبدا. وهذا يعني إرجاء الحلم الرئاسي لزعيم زغرتا الى 12 سنة. فلماذا لا يحصل الآن على ما قد يحصل عليه بعد كل تلك السنوات؟ بالنسبة الى فرنجية، وفق هذا المنطق، يختصر مطلع أغنية إلفيس بريسلي المشهد أمامه «it s now or never».
كل «الهواجس» الرئاسية حضرت في لقاء الرابية. حضرت كذلك مختلف التطورات على الساحة الإقليمية والدولية على قاعدة مقاربة الموضوع انطلاقاً من السلة المتكاملة للمطالب. فالقناعة التي خرج بها اللقاء ترسخت حول أن «المطلوب ليست كرسي الرئاسة، وإن كانت مغرية، بل سلة قانون الانتخاب والحكومة العتيدة والشراكة المسيحية الفعلية، فلا يضيع كل إرث ميشال عون كظاهرة مسيحية بشحطة قلم باريسية».