«القوات» تتفهم ولا تفهم.. و«التيار» يلتزم أولوياته
ما تزال التسوية الموعودة تراوح مكانها. هبة باردة تنعش آمال المتحمسين للنائب سليمان فرنجية، تليها هبة ساخنة تلجم اندفاعتهم، وتنعش المحبطين من وصول «صديق بشار الاسد» الى الرئاسة. ومع ذلك، سواء نجح كل هذا الضجيج في صياغة رئيس او لم ينجح، فثمة معطيات يتكرر تأكيدها عند كل مفصل، تجعل من السياسة في لبنان وتحالفاتها كما من تفاهماتها ومقوماتها أمرا يحتاج الى اعادة نظر.
بدا مستغربا، ولو لقلة، أن يقال في سليمان فرنجية في اليومين الماضيين كلام أقرب الى الغزل، ليس فقط من منتفعين أو محايدين، انما من منتقدين تاريخيين ومن خصوم بعضهم تقارب علاقتهم به حد العداء. حتى أن بعض من كانوا يبشرون برئيس توافقي «يشبه البلد» على ما كانوا يقولون، ويراعي دقة المرحلة، راحوا يسترسلون في شرح «القيمة المضافة» لفرنجية في قصر بعبدا.
ويمكن الاجتهاد والتكهن بأن زوار فرنجية وطالبي المواعيد والمتصلين و «المحبين» تضاعفوا بطريقة لا يوازيها سوى تراجع عدد الزوار والمتصلين و «المطمئنين» لدى كل المرشحين المنتظرين منذ 18 شهرا.
لكن، وتجاوزا لهذه «الشكليات»، ثمة الكثير من الاسئلة التي تستدعي التوقف عندها بعد المشهد المستجد. ماذا بقي من «8 و14» آذار؟ ما هو مشهد التحالفات المقبل؟ اية سيناريوهات مرتقبة للعلاقات المسيحية ـ الاسلامية، والمسيحية – المسيحية؟ كيف يمكن فهم «السياسة» في البلد حين يقوم سعد الحريري بترشيح خصمه وصديق عدوه لرئاسة الجمهورية؟ يفعل ذلك في السر وينكره في العلن قبل أن تتسرب من داخل بيت «المستقبل» مواقف متناقضة.
في المقلب المسيحي كلام كثير، تحديدا عن «تيار المستقبل». ويذهب احد السياسيين المقربين من «القوات اللبنانية» الى التساؤل عن «ماهية مفهوم تيار المستقبل للتحالفات والصداقات والالتزامات». لكنه لا يستفيض في الكلام «لاننا من جهتنا نحترم تحالفاتنا طالما هي قائمة، ونحاول أن نتفهم ظروف الجميع وان كنا في الحقيقة لا نفهمها».
في أوساط «التيار الوطني الحر» ارتياح اكبر للعلاقة بالحليف. فـ «حزب الله» لم يخل بالتزاماته معنا». لكن هنا ايضا لا يغيب الحذر والتساؤلات. فـ «هل الحزب حقا عاجز عن التأثير في اوساط بعض حلفائه الذين، أقل ما يقال، يشاغبون على التيار الوطني الحر في محطات كثيرة؟ ام هو يوازن الامور بما يضع دائما اولوياته في الصدارة، حتى لو جاءت على حساب الحلفاء؟».
يصر السياسي العوني على أن هذا التساؤل «لا يعني مطلقا انتقادا للحزب بل هو تأكيد أن من حق كل القوى السياسية أن تضع مصلحتها بندا اول في سلوكها وشروطها، بمن فيهم التيار الوطني الحر».
لا يختلف كلام السياسيين المستقلين المسيحيين كثيرا عن الحزبيين خصوصا عند الحديث عن الحلفاء المسلمين. «فالمسلمون، سنة وشيعة، يمالقون الاحزاب المسيحية ويعطونها من طرف المواقف حلاوة على امتداد الايام، وعند التسويات الكبرى والمفصلية يستنجدون بالمستقلين، تارة لتأمين الميثاقية واضفاء الشرعية على موقف او حراك او لقاء، وطورا لوضعهم في مواجهة المزاج المسيحي الحزبي العام»، بحسب ما يقول احد النواب المستقلين.
ويضيف: «أثبتت التجارب المتكررة ان الاحزاب في لبنان، بانقساماتها وتوزيعاتها الطائفية المختلفة، غير قادرة على ابتداع مخارج وحلول تراعي مصلحة لبنان وتنطلق من حاجته»، ويختم بالاشارة الى أن هامش استقلال الاحزاب المسيحية «أعلى نسبيا من الاحزاب الاسلامية التي تنخرط بشكل كامل في الانقسامات في المنطقة وانحيازاتها. بالتالي هذه الاحزاب اعجز من أن تكون قادرة على صياغة تسوية تنطلق من مصلحة لبنان واللبنانيين».