Site icon IMLebanon

ترشيح فرنجيه: مأزق ينتظر الخارج

يوما بعد آخر يدخل فريق في مدار انتخاب نائب زغرتا رئيسا للجمهورية. البارحة كان دور بكركي. قبلها استعجل سفراء غربيون طرح استفسارات وهم يهبّون الى مقابلته، لكنّ اللغز يظل يكمن في موقف الرياض حينما تصمت وعندما تتكلم

اذا صح ان انقضاء الايام يضعف فرصة النائب سليمان فرنجيه في انتخابه رئيسا للجمهورية، الا ان ما يصح ايضا ان عامل العجلة لا يلقي بثقله على الافرقاء جميعا، ولا سيما منهم مناوئي انتخابه. بل يبدو المعنيون الرئيسيون بالاستحقاق، في هذا الجانب او ذاك، استنفدوا قدراتهم القصوى من دون امكان توافقهم على نائب زغرتا. البارحة انضم حزب الكتائب صراحة الى التشكيك في انتخاب فرنجيه ما لم يقترن بشروط، يعرف الحزب ان الرجل لن يستجيبها.

بتفاوت، اصبح ترشيح فرنجيه مجرّدا من اي ظهير مسيحي: كلا الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يرفضانه علنا، بينما كشف النائب سامي الجميل عن تحفظ اقرب الى الرفض منه الى التأييد. في خلاصة استجماع المواقف منذ غداة اجتماع باريس في 17 تشرين الثاني حتى امس، يرى مسؤول بارز في فريق عرّاب خيار فرنجيه ان جهود الداخل استنزفت، وبات انتخابه يحتاج الى تدخّل فعلي من الخارج. يقول: ترشيح فرنجيه لا ينطفىء. يطول ويتعثر ويتأخر اكثر، وربما احتاج الى اكثر من شهرين.

يتقاطع هذا الرأي مع ما نقل عن سفير دولة ذات مكانة معنوية عالية من ان مساعي انتخاب نائب زغرتا جدية وحقيقية. يضيف: سيكون هناك رئيس للبنان، لكن ليس بالضرورة فرنجيه.

اي خارج اذن، اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان ان دمشق وباريس وواشنطن لم يعد في وسعها فرض رئيس لبنان، منفردة او متضافرة؟

لم تبدد، كذلك، ثلاثة مواقف ادلى بها السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في ثلاثة ايام على التوالي الغموض والالتباس في موقف المملكة، بعدما اسهب الافرقاء في تأويله والاجتهاد فيه بغية ترجيح وجهة نظر فريق على آخر. وقد تكون عصارة المواقف الاخيرة للرياض، فور عودة السفير الى بيروت، انها افصحت عن وجهة نظرها بالتقسيط من اجل ان ترسم في الحصيلة لوحة متكاملة لما تريده، من دون ان تُحمّل ما لا يقتضي ان تحمله. تحدثت على التوالي عن توافق اللبنانيين على رئيسهم والمسيحيين خصوصا، ثم تكلمت عن الحياد وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، ثم عن تشجيعها مبادرة انتخاب الرئيس مع تشديدها على انها لم تسمِ مرشحا ولن تسمي، لكنها تجد اجراء الاستحقاق ملحا ومستعجلا.

منذ استحقاق 1976 لم يُنتخب رئيس الا على صفيح ساخن

في مغزى ما قالت به الرياض عبر عسيري انها ارضت تقريبا كل الافرقاء، مؤيدي انتخاب فرنجيه ومعارضيه وتحديدا حليفها المسيحي جعجع، ما يتيح لكل منهم تفسيره في المنحى الذي يتوخاه، ويعزز حجته في خياره. لم يكن في الامكان توقع جهر المملكة بتأييدها مرشحا دون آخر وإن انتمى الى فريق حلفائها. الاحرى ان لا تفعل مع فرنجيه الجالس في محور عدوتها ايران. على غرار ما تقوله طهران، تكتفي الرياض بعنوان عريض مآله ان على اللبنانيين ان يختاروا بانفسهم رئيسهم فيما تحجم عن التدخل في خياراتهم. بيد ان كلمة السر تترك لحليفها الاول. اطلقت ايران مرارا كلاما مماثلا منذ الشغور الرئاسي، واسمعته لوسطاء دوليين كمدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو. قالت الرياض كلاما مطابقا للممثل السابق للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي.

ما تلتقي عليه الدولتان العدوتان ان انتخاب الرئيس شأن اللبنانيين. ذلك مفاد كلام فوق سطح المياه. اما في القعر فشأن آخر. لم يصدّق احد ان الرئيس سعد الحريري فاتح فرنجيه في انتخابه رئيسا في معزل عن الرياض وموافقتها على الاجتماع به ومحادثته في الاستحقاق، كما في تبني ترشيحه. كما لم يُصدَّق لاشهر عام 2014 احاديثه مع عون وقد اوشك ان ينتهي الى ما افضى اليه التفاوض مع فرنجيه. الامر نفسه يقال عن حزب الله وعلاقته بايران، بالايحاء بأن تمسكه بعون مرشحا وحيدا للرئاسة ينطوي على اصرار طهران على ابقاء ابواب الاستحقاق موصدة تماما. قلب الحريري الخيارات رأساً على عقب بتخليه عن حليفه جعجع وذهابه الى مرشح في قوى 8 آذار، بينما تشبث حزب الله باولوية المرشح: عون ثم في ما بعد فرنجيه، لا عون وفرنجيه مرشحان متساويا الفرص في منزلة واحدة يسهل معها تخلي الاول للثاني.

ليست هذه المرة الاولى التي تجد المملكة نفسها فيها معنية مباشرة بالاستحقاق الرئاسي وصاحبة كلمة فصل فيه. عام 1982 باركت ترشيح الرئيس بشير الجميل وانتخابه لدى اجتماعه بوزير الخارجية سعود الفيصل في الطائف، وعام 1989 باركت ترشيح الرئيس رينه معوض وانتخابه على هامش اجتماعات النواب اللبنانيين في المدينة نفسها اياما قبل ذهابهم الى صندوق الاقتراع. كانت كذلك صاحبة الكلمة المسموعة في انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008. في كل من المرات الثلاث اظهرت اهتماما بتسوية اوسع نطاقا تتخطى الاستحقاق، بيد انها تنطوي على اختيار مرشح دعمت انتخابه. لم تسمّ في اي منها كما شاع انها وراء المحاولة الرابعة مع فرنجيه. عام 1982 اهتمت بالحصول من الجميل على ضمانات حيال مصير المخيمات الفلسطينية، وعام 1989 ركزت على تسوية سياسية هي اتفاق الطائف يأتي الرئيس لوضعها موضع التطبيق، وصولا الى عام 2008 باقران الانتخاب ببرنامج تسوية سياسية يوقف اندلاع حرب سنية ــ شيعية. كل من الاستحقاقات الثلاثة تلك انجزت على صفيح ساخن.

الاصح، منذ انتخاب الرئيس الياس سركيس عام 1976، لم يُجرَ استحقاق الا على صفيح ساخن في حمأة فوضى سياسية وامنية، ما خلا انتخاب الرئيس اميل لحود في ظل القبضة السورية.