مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة عالقة بين جهود غير مجدية وحذر وشكوك داخل فريقي 8 و14 آذار. بل يكادان يتبخّران تحت وطأة مبادرة بدأت من دون ان تعرف كيف ستنتهي سوى ان فرنجيه رئيس مع وقف التنفيذ
يوازي سؤال ماذا لو لم ينتخب النائب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية سؤالاً مماثلاً لا يقل عبئاً هو: ماذا لو فشلت مبادرة الرئيس سعد الحريري وأخفق في العودة الى رئاسة الحكومة؟
كلا السؤالين متلازمان. حتى 17 تشرين الثاني وانعقاد اجتماع باريس بين الرجلين، لم يكن ثمة ما يوحي بأن فرنجيه يتوقع انتخابه رئيساً، وبأن خياره هو بالذات يتقدّم الرئيس ميشال عون، او يتصوّر أحد أنه يستعجل الوصول الى الرئاسة على غرار الايام الاخيرة قبل ان يجتمع ــــ وان لمرة ــــ بعون. الا أن الحريري كان في عجلة من أمره.
في صلب مفاوضاته مع عون على مر أشهر 2014، وصولاً الى عشاء شباط المنصرم في بيت الوسط، ربط مواصفات الرئيس الجديد بعودة الحريري الى السرايا. مذذاك وُضعت لبنة المعادلة الرائجة اليوم: في مقابل رئيس للحكومة من قوى 14 آذار، رئيس للجمهورية من قوى 8 آذار. منذ البداية افترضت هذه المعادلة ان لا مكان لأحد من موارنة قوى 14 آذار او حظ في الوصول الى الرئاسة، مرشحين جديين معلنين او محتملين.
افترضت أيضاً ان لا حظّ لأحد من سنّة هذا الفريق في رئاسة الحكومة سوى الحريري. تالياً أضحى باب التفاوض مقتصراً على احد اثنين لا ثالث لهما في قوى 8 آذار: عون أو فرنجيه.
في بساطة متناهية أديرت لعبة الاستحقاق في سنة منصرمة على نحو كهذا. تبعاً لذلك لم تكن ثمة أعجوبة في اقتراح الحريري فرنجيه، بل خلاصة حتمية لخيار تختبىء وراءه الرغبة في العودة الى رئاسة الحكومة. فاذا كل ما قاله الحريري وتيار المستقبل طوال أشهر الشغور عن سعيهما الى رئيس توافقي من خارج الاصطفافين، لم يعدُ كونه ذرّاً للرماد في العيون: رئيس توافقي يعني ابقاء الحريري خارج السرايا واستمرار الرئيس تمام سلام على رأس الحكومة الاولى للعهد. قيل ايضاً في معرض رفض الحريري وتيار المستقبل رئيساً من قوى 8 آذار: رئيس مجلس النواب في مقابل رئيس مجلس الوزراء. أما رئيس الجمهورية فهو فوق الجميع. انهارت ايضا الحجة الثانية.
الى الآن، فرنجيه رئيسا للجمهورية مع وقف التنفيذ. لم تفشل المبادرة، بيد ان احداً لا يستعجل نجاحها وانهاء الشغور. وقد لا يكون الانتخاب وشيكاً بمقدار ما كان يتوقعه صانعوها.
لكن، ماذا لو فشلت وتعذّرت على الحريري، للمرة الثانية منذ عام 2011، العودة الى رئاسة الحكومة؟
ماذا لو فشلت
مبادرة الحريري
ولم يعد الى رئاسة الحكومة؟
بعد مضي عقد على اغتيال والده وتنكّبه ارث العائلة والتيار السياسي والكتلة النيابية والقاعدة الشعبية، لا يزال الحريري الابن يفتقر الى ما كان في الرئيس رفيق الحريري عندما يختار المجازفة. ليس قليلا ان الحريري الاب، في ظل الحقبة السورية، خاض مجازفتين في استحقاقين رئاسيين متتاليين لعب فيهما دورا مؤثرا: في الاول تبنى خيارا ونجح في فرضه، وفي الثاني تنبّه الى وزره عليه فذهب اليه ولاقاه قبل ان يجعله مطلبه.
طرح الحريري الاب تمديد ولاية الرئيس الياس الهراوي قبل سبعة اشهر من موعد انتهائها في تشرين الثاني 1995، في وقت كانت البلاد تتحضر لانتخاب خلفه. لم يتردّد في الجهر بتأييده التمديد، وعمل في كل اتجاه في الداخل والخارج على امراره، بدءاً من سوريا وصولاً الى فرنسا والفاتيكان، وأوجد له حججا شتى في الداخلين اللبناني والسوري على وفرة المعارضة التي جبهت هذا الخيار، الى ان امسى في تشرين الاول 1995 حقيقة بتعديل البرلمان المادة 49 من الدستور واستمرار الهراوي في ولايته ثلاث سنوات جديدة.
بانقضاء السنوات الثلاث خاض المجازفة الثانية عام 1998. بعدما تمكن من تأجيل انتخاب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً عام 1995، بات أمام استحقاق هذا الانتخاب. على مرّ السنوات التسع من ولاية الهراوي كان لحود أبرز خصوم الحريري الأب واصطدما مراراً في العلن والسر. على أبواب انتخاب قائد الجيش، لم يتردّد في ارسال مغلّف الى مكتب الرئيس السوري حافظ الاسد يتضمن احصاءات تفصح عن تنامي شعبية لحود بين اللبنانيين، كانت احد ابرز ما افضى به الاسد الى الهراوي في القمة الاخيرة التي جمعتهما في تشرين الاول 1998، فاذا لحود رئيساً للجمهورية.
في التمديد للهراوي ذهب الحريري الاب الى بكركي كي يحوز موافقتها على ما لا يسعها ان تقبل به وهو تعديل الدستور، وفي انتخاب لحود كان البطريرك الماروني أول مَن بارك الخيار فلاقاه الحريري الاب. في خيار 1995 اجتذب النائب وليد جنبلاط الى جانبه فيما الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجيه في المقلب المناوىء، وفي خيار 1998 افترق عن جنبلاط والتقى وبري وفرنجيه عليه. مع ذلك كله، لم يتلاعب بالتوازنات ولا اهمل الاحجام او تجاهلها، ولا قاد الاستحقاق من بعد. راقب ردود فعل الحلفاء والخصوم.
قد لا يكون الابن تنبّه الى ما فعل الاب قبل عقدين. ها هو يتنكر للحلفاء، ويستفزّ الاعداء. في وقت واحد وضع الجميع تقريباً امامه وجهاً لوجه: حزب الله، عون، حزب القوات اللبنانية، حزب الكتائب، المسيحيون المستقلون حتى، ناهيك بممتعضين ومتحفظين داخل تيار المستقبل.
يكاد يكون جنبلاط وحده مَن جهر بتأييد مبادرة الحريري، اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان ان صمت بري لا يقل دلالة ومغزى عن صمت حزب الله.