IMLebanon

فرنجية «مرتاح جداً».. وينتظر الخطة «ب»

قبل أن يطلّ النائب سليمان فرنجية على الشاشة ليكشف صراحة عن جزء من برنامجه الرئاسي بتوقيت اختاره بنفسه، أبلغ من يعنيهم الامر من الحلفاء بمضمون المحاور التي سيتطرّق اليها.

من يجب أن يكون في «الجوّ» علم به مسبقا، من عين التينة الى الضاحية مرورا بكليمنصو. فقط الرابية كانت في موقع المتلقي للجديد «الرئاسي» العلني على لسان «البيك» في المضمون والنبرة. هكذا أصلا بدأ مسار معادلة فرنجية – الحريري وهكذا يستمر حتى إشعار آخر طالما ان ميشال عون لا يتزحزح عن الخطة «أ»، برأي قطب في فريق «8 آذار».

كثر لم يعلموا أنه في اللحظة التي حطّت فيها طائرة فرنجية في مطار بيروت عائدا من باريس بعد لقائه الرئيس سعد الحريري، كانت الوجهة المباشرة لموكب «البيك» نحو الضاحية الجنوبية. يتردد أنه في يوم العودة نفسه «تواصل» بالسيد حسن نصرالله ووضعه في «اجواء» اللقاء الباريسي، ثم التقاه ليل العاشر من الشهر الجاري.

تفصيل صغير في الشكل يعكس اتّساع مدار التنسيق بين بنشعي والضاحية والعمل على الموجة نفسها، في الوقت الذي صوّر كثيرون في الايام الماضية المشهد على الشكل الاتي: سليمان فرنجية مندفع باتجاه «تسوية ـ فخ» من دون احتساب أثمانها المكلفة على فريقه السياسي، و«حزب الله» في لحظة «صفاء» سياسي يلجم اندفاعته ويضع حدّا لتسوية حيكت من دون أخذ اذنه!

وإذا كان «حزب الله»، العالم الاول بظروف وحيثيات الطرح الرئاسي الذي تقدّم به الحريري، يكتم حماسته للغوص في تفاصيل تزكية هذا الخيار وانعكاساته على ميزان القوى السياسية طالما ان مرشّحه الأول للرئاسة لا يزال ميشال عون، فإن الرئيس السوري بشار الاسد هو في قلب هذا المدار الرئاسي.

ووفق المعلومات، فإن زيارة فرنجية للاسد قبل أيام لم تكن بالتأكيد لوضع الاخير في أجواء لقاء باريس والاجتماع مع نصرالله، بقدر ما شكّلت نقطة ارتكاز لقاعدة صلبة انطلق منها فرنجية لتثبيت ترشيحه «أكثر من أي وقت مضى».

قبل ساعات المصارحة والتفاهم في العاصمة الفرنسية وبعدها، كان الأسد قد أعطى موافقته على مسار بدا متحمّسا له أكثر من اي طرف داخلي لبناني. وقد بُلِّغ نادر الحريري مباشرة بهذه المعطيات كذلك النائب غطاس خوري، ونقلاها لاحقا الى الرئيس الحريري، فشكّلت عامل ارتياح في سياق تحضير الطبخة الرئاسية.

هنا سقطت معادلة رفع دمشق الضوء الاحمر بوجه فرنجية «لأن أوان عودة الحريري لم يحن بعد». عمليا، الوقت قد حان.. و «رأس» فرنجية «مرتاح جدا» بخصوص هذه المسألة، لكن لكي تستقيم الأمور هناك عاملان حاسمان: خارجي يدفع أكثر باتجاه هذا الخيار، وداخلي عنوانه الاوحد ميشال عون. وسط هذا المشهد سيكون من المكابرة تجاهل او تجاوز حاجز «الجنرال» بكل ما يمثله من ثقل مسيحي ووطني. والمتابعون للملف الرئاسي يجزمون «الكل مستعد للتفاوض مع عون والتجاوب مع مطالبه على رأسها قانون الانتخاب».

بمطلق الأحوال، وضعت طلّة فرنجية «الرئاسية» مشروع التسوية الممكنة على السكة، حتى ولو زادت من منسوب الجفاء والتوتر مع رئيس تكتل «التغيير والاصلاح». هكذا أقلّه يرى أولياء مشروع إنهاء الشغور في قصر بعبدا.

فالعناوين التي طرحها الزعيم الشمالي، برأيهم، كفيلة وحدها بإعطاء زخم للتسوية بعد أن لجمتها قوة «عصف» الرفض العوني، فنفخ فيها بعض «الروح» مما سيمدّها بالاوكسجين اللازم لتبقى قائمة وجدّية ومستمرة الى ما بعد انتهاء فترة الاعياد وربما الشهر الذي سيلي. بعدها سيتمّ التفاوض على البارد في وقت يبدي فيه الرئيس نبيه بري و «حزب الله» وسليمان فرنجية الرغبة الواضحة لاعطاء ميشال عون ما يريد وما يطمئنه.

وتشير المعطيات الى ان وصول حالة الجفاء بين عون وفرنجية الى هذا المستوى غير المسبوق، سيكون حافزا في الوقت عينه لمن يتحرّك جدّيا على خط تقليص المسافات وإذابة جبل الجليد بينهما أن يزيد من سرعة تحرّكه، مع العلم أن اطرافا خارجية قد تدخل على خط هذه الوساطة من ضمن تراكم الضغوط على ميشال عون لدفعه للانتقال الى الخطة «ب».

أما بالنسبة لراصدي موقف «حزب الله» من احتمال وصول سليمان فرنجية الى سدّة الرئاسة، فيمكن أن يأتيهم الجواب الشافي على لسان المقرّبين من أقطاب فريق «8 آذار».

همّ «حزب الله» الداخلي الاول اليوم هو تأمين مقوّمات مفهوم الشراكة، وحين يأتي من يقول له أنا اريد أن أكون شريكك، مثل «تيار المستقبل»، فهو لن يتردّد لحظة في القبول. ينطبق هذا الواقع على خيار فتح خط حوار مباشر مع «التيار» من خلال طاولة الحوار الثنائية التي اثبتت مناعتها في كل الظروف. ونصرالله الذي انخرط في هذا المسار هو نفسه من شَكَر الرئيس الحريري لدى قيام الاخير بتغطية الخطة الامنية في طرابلس، ومن طرح لاحقا تسوية تحاكي الطرف الاخر. ثمّة قناعة راسخة اليوم لدى الحزب بأن معادلة الاستقرار الحقيقية لا تستقيم إلا بتأمين مقوّمات الشراكة السنية ـ الشيعية. «الحزب» مقتنع اليوم بأن هناك ممثلا أساسيا للشارع السنّي لا يمكن تجاوزه. لا تقف المسألة عند إعادة تعويم سعد الحريري. اصلا الاخير كان في صلب معادلة السلطة في ظل حكومة تمام سلام. لا يوقّع قرار من دون علمه، ولا توضع فاصلة من دون مشورته.

يضيف هؤلاء «ينظر اليوم فريق 8 آذار الى سليمان فرنجية باعتباره الاكثر التزاما بالخيارات الاستراتيجية، الأقل كلفة والأكثر مرونة… تاريج الرجل معروف ولا يمكن حجبه وليس من النوع الذي يقدّم التنازلات على حساب مصلحة البلد. لقد اثبتت الاحداث والوقائع ان فريق الممانعة يستطيع أن يعطّل ولفترة طويلة لكنه لا يستطيع ان يحكم لوحده وهو بحاجة الى شريك، مع تأكيد وإلزامية احترام والأخذ بمطالب القوى المسيحية على رأسها ميشال عون. نحن اليوم أمام معادلة: الكل بحاجة للكل. وما ينطبق على لبنان هو نفسه ما ينطبق على نقاط التوتر في العراق، اليمن، سوريا، البحرين».

في المحصّلة تقول مرجعية في فريق «8 آذار»: تشابك الملفات الاقليمية يدفع للتريّث وليس لاسقاط المسعى الرئاسي. فرنجية هو مرشّح رئاسي مطلوب لدى «حزب الله» تماما كما ميشال عون. لدى السيد حسن نصرالله فعلا خطة «ب» كما قال فرنجية. في المرحلة المقبلة سينصبّ مسعى الضاحية لرفع تهمة التآمر عنها، وللبحث جديا في تسهيل تكريس هذه المعادلة عبر إرضاء «الجنرال» إذا ما تبيّن أن حظوظه بالرئاسة صارت معدومة.